الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

غياب - شاعر الغلابة وضمير الشعب المصري

ع.ع.
A+ A-

مات أمس في القاهرة، شاعر الشعب، أحمد فؤاد نجم، الذي شيّدت كلماته الطالعة من آلام الغلابة والفلاحين والعمال والطلبة، مداميك الوجدان الشعبي العام، بروحها الثورية واليسارية، ونكهتها العفوية، وأوجاعها العميقة، وخصوصيتها التهكمية الساخرة.


إذا كان من تعريف لهذا الشاعر، فأكثر ما يعرّف به أنه شاعر الضمير، وقد استطاع بكلماته الشعبية، العفوية، البسيطة، الملمومة من وجدان الشعب المصري، ومن شفاه الغلابة، أن ينضمّ إلى قافلة الذين يقيمون في ذاكرة الشعب وفي ضميره الجمعي.
منذ الخمسينات، لمع نجم الشاعر، الذي تألق شعره في الستينات، وخصوصاً عندما أخذ على عاتقه أن يحفر عميقاً في مسائل حارقة، متعلقة بقضايا الحرية والعدالة والديموقراطية والسياسة، جاعلاً من كلماته حمماً تصيب الجميع بشظاياها، غير آبه بهذا الفريق أو ذاك من أهل الطبقة السياسية.
بسببٍ من ذلك، تكاثر عشّاق كلماته في جموع الطبقات الاجتماعية المسحوقة، وفي أوساط الهامشيين والثوريين واليساريين والمظلومين، مثلما تكاثر "أعداء" هذه الكلمات من أهل السلطة والفساد، لذا سرعان ما عرف الشاعرُ السجنَ ولياليه الممضة وزنزاناته المهينة، أكثر من مرة، في عهد كلٍّ من الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات.
إلاّ أن الاضطهاد السياسي، الذي أصبح أقرب إليه من ظلّه، لم يزده إلاّ تشبثاً بالكلمة الحرة، الموجوعة، يقولها عاليةً، فترددها جموع المصريين، مغنّاة بصوت الشيخ إمام عيسى، رفيقه في النضال وفي الفن الشعبي على السواء. وقد شيّد الرجلان ظاهرة أدبية – غنائية كان لها تأثيرها العميق في أوساط الشباب والطلاب داخل الجامعات المصرية، ولا سيما في مطالع السبعينات، وساهمت إلى حدّ كبير في تأجيج انتفاضة التاسع عشر من كانون الثاني 1979 التي أطلق عليها الرئيس السادات آنذاك، تسمية "انتفاضة الحرامية".
لم تكن حدود مصر هي حدود شهرة أحمد فؤاد نجم، ذلك أنه خرج إلى العالم العربي الأوسع الذي راح يردّد أغانيه في الثورة والهزيمة، وفي مقدمها "غيفارا مات"، معتبراً إياها صوتاً حرّاً لضميره الجمعي الموجوع والمغمس بالقهر والمظلومية.
ولد أحمد فؤاد نجم في العام 1929 في قرية كفر أبو نجم في محافظة الشرقية. عاش في ملجأ للأيتام بعد وفاة والده ووالدته، ثم خرج منه وهو في السابعة عشرة من عمره، ليعمل راعياً. تأثر أحمد فؤاد نجم بالفكر الشيوعي واليساري عموماً، واختلط بعمال المطابع، وشارك في التظاهرات التي شهدتها مصر في العام 1946، وخصوصاً في "ثورة الخبز" في كانون الثاني 1977، وكانت بمثابة الزيت الذي أجّج المواجهة مع سياسة الرئيس السادات ومسألة الصلح مع العدو الإسرائيلي.
في الأمس القريب أيضاً، خلال الثورة التي أعلنها الشعب المصري ضد الرئيس مبارك، عادت كلمات أحمد فؤاد نجم إلى الواجهة، لتلعب دورها في إسقاطه، وفي إسقاط خلفه الرئيس محمد مرسي.
شاعر الغلابة، تبقي كلماته في ضمير الغلابة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم