الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ذكرى وهيب كيروز ومتحف جبران خليل جبران

المصدر: "النهار"
كمال ديب
ذكرى وهيب كيروز ومتحف جبران خليل جبران
ذكرى وهيب كيروز ومتحف جبران خليل جبران
A+ A-

قبل ستة أعوام تقريباً أحزنني خبر وفاة الأستاذ وهيب كيروز وذكّرني بلقاءاتي به وأحاديثنا الثقافية في مكتبه داخل متحف جبران في بلدة بشرّي في شمال لبنان. ولقد حفظت أحاديثنا للذكرى على شريط سجّلته على كاسيت وفي صور جمعتنا في متحف جبران.

قبل 15 سنة، قرّرتُ أن أسترجعَ اللغة العربية والروابط مع الوطن الأم لبنان. فاقتنيت كتباً في قواعد اللغة العربية من تأليف الأب رشيد الشرتوني، وبدأت أزور لبنان كل عام أو عامين أستكشف ربوعه. وكانت زيارات إلى منطقة بشري بصحبة أصدقاء من كندا من آل سكّر وآل كيروز، حيث التقيت الأستاذ وهيب.

هون السما قريبي تسمعنا يا حبيبي

من ساحل الكورة صعدنا جبالاً وقمماً تليها جبال وقمم. فكنا نمتطي الطرقات الصاعدة بسيارة جيب الى قلب لبنان القديم في قضاء بشري ووادي قاديشا السحري، وتوقفنا في "بقاعكفرا بلدة القديس شربل ترحب بكم". في هذه القرية الصغيرة هواء ناشف صحي وغيوم تحاكي أقدام السفح وبيوت أثرية من الحجر. ووقفنا أمام مقام القديس مار شربل ننظر في الطبيعة المهيبة حيث النسور حلّت مكان العصافير لعلو المكان. وأمامنا ظهرت بلدة بشري. ومن نافذة المقام تذكرت معنى أغنية فيروز وخشوع كلماتها: "عاتلالك عجبالك ركعت وصلّيت... هون السما قريبي تسمعنا يا حبيبي".

ثم وصلنا متحف جبران في بشري - بيت محفور في الصخر تغطّي مدخله النباتات المتسلقة وتقصده في معبر صخري ضيّق في شرق البلدة. لقد وجدنا جبران خليل جبران حيّاً، يحاكينا من كتبه ولوحاته الخالدة وأشيائه الخاصة التي حواها المتحف. وفي الداخل جلس حافظ المتحف الأستاذ وهيب كيروز.

لقب استاذ هنا ليس "لشوفة الحال" بل مصدره أنّ الاستاذ وهيب كان فعلاً أستاذ مدرسة ومعلّم أجيال من أبناء البلدة. قال لنا إنّ الزوار قلة هذه الأيام "بسبب الصقعة" (أي الصقيع). ولكن في الربيع والصيف الزوار بالعشرات والمئات من مدارس لبنان ومن سيّاح ومغتربين.

تحدّث الأستاذ وهيب عن عمله في المتحف والدراسات التي أعدّها بنفسه عن أشهر شخصية بشراوية، جبران خليل جبران. طبعت الكتب التي أعدها الأستاذ وهيب "اللجنة الدولية لتخليد جبران خليل جبران"، وقدّم لي نسخة من آخر كتاب له.

جبران حيث ترقص الملائكة

لفت نظري فيض معرفة الأستاذ وهيب عن جبران، وشجعّني على طرح المزيد من الأسئلة، حيث شرح الأعمال الفنية وأعطى نظرة المتخصص والباحث. ثم قال إن طبيعة بشري تنتج عباقرة، وكل عام يلد في بشري شخص بعقل وموهبة جبران ولكن ليس لدى الجميع الفرصة السانحة والإمكانات لترجمة هذه العبقرية. واحترمت رأي الاستاذ وهيب الذي له علاقة بعاطفته تجاه بلدته أكثر ممّا هو معلومة. ذلك أنّ هيبة بلدة بشري وشخصيتها النافذة على هذه الجبال الشامخة، ونفسية أبنائها الصادقة تبرّر مثل هذا الشعور. وأيضاً لأنّه من الضروري للاستاذ وهيب أن يثير الشجاعة والحماس في نفوس الجيل الجديد ليتطلّعوا أن يكونوا مثل جبران، ولا بأس أن يقرن ذلك بطبيعة ما في بشرّي لعلّه خليط رائحة الأرز والهواء العليل.

تأملتُ لوحات جبران في 12 غرفة وفيها ملائكة ترقص وأجساد عارية بريئة وحولها مرتفعات الجبال تماما كالطبيعة المحيطة بمنطقة بشرّي. وفي إحدى الغرف رأينا مدفن جبران وسريره وخزائن وفيها أغراضه ومكتبة مليئة بكتب جبران الخاصة ومراجعه ومعظمها باللغة الانكليزية عن الأدب والفلسفة والشعر والتراث اليوناني وأساطير الشرق وبعضها عن الهند ودياناتها، ولوحات فنية رسمها صاحب كتاب "النبي" ولكن لم أرها في كتاب منشور له.

لعل جبران في مشغله الفني في باريس في أوائل هذا القرن أو في الاستديو الحرفي في نيويورك وبوسطن في أميركا كان يملؤه الحنين الى بشري وجبلها ويتذكر أيام الخريف القاتمة وأيام الشتاء الباردة في وطنه فتنعكس المشاعر على لوحاته وترى أرواحاً متجسدة فيها لا تلعب إلا في القمم مع النسور الشامخة ولا ترقص إلا في أحضان الطبيعة المتقشفة الجرداء في الأعالي.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم