الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

ما العراقيل التي ترجّح عدم تنظيم استفتاء ثانٍ حول الـ"بريكست"؟

المصدر: "ذا ناشونال إنترست"
"النهار"
A+ A-

يشير هاريس إلى وجود مشكلتين في التخطيط لاستفتاء ثانٍ: أ – البقاء داخل الاتحاد الأوروبي لم يعد أمراً يمكن أن تقرره بريطانيا لنفسها، لكن ب – إنّ استفتاء ثانياً حول البريكست سيكون ذا معنى فقط إذا تم إدخال خيار البقاء في الاتحاد الأوروبي ضمن بطاقة الاستفتاء. إنّ هذين العنصرين مدموجين سيكونان كافيين على الأرجح لضمان عدم حصول استفتاء ثانٍ.


المادة 50

في آذار 2017، بعد تسعة أشهر على التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أبلغت رئيسة الوزراء تيريزا ماي رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك نية بلادها الانسحاب من الاتحاد، عبر اللجوء إلى المادة 50 من معاهدة لشبونة. بتلك الخطوة، تم إطلاق مسار البريكست الذي تحول من مسألة داخلية إلى مسار دولي نشط. تؤمّن معاهدة لشبونة سنتين للاتحاد وبريطانيا كي يتفاوضا على شروط خروجها وهذه الفترة لا تخضع للتمديد إلا بوجود إجماع. إذا فشل الطرفان بالتوصل إلى شروط انسحاب ترضيهما خلال هذه المهلة، فعندها تشير المادة 50 إلى انتهاء عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. ولا يوجد حكم صريح لوقف أو عكس مسار الانسحاب، فالدول التي هي على طريق الخروج ستغادر الاتحاد بطريقة أو بأخرى.

يوضح هاريس أنّ البريكست أصبح مساراً دولياً منذ آذار 2017، بمعنى أنّه لم يعد محكوماً بالتشريعات الداخلية فقط بل أيضاً بالقانون الدولي. كذلك، ليس الشعب أو البرلمان البريطاني فقط هما المعنيّين بهذا القرار بل أيضاً حكومات دول الاتحاد الأوروبي ومؤسساته العابرة للدول. وهذا يعني أنّه لم يتبقّ أي شيء تقريباً كي تقرره بريطانيا بطريقة أحادية.


لتفادي مضيعة وقت

إنّ احتمال إجراء استفتاء ثان مرتبط بالخيارات المطروحة أمام الشعب البريطاني. يكمن أحدها بسؤال البريطانيين أن يقبلوا أو يرفضوا أي اتفاق خروج تتوصل إليه #لندن و #بروكسيل. لكنّ ذلك سيكون مضيعة كاملة للوقت. فلو رفض الشعب ذلك ستكون النتيجة مغادرة بريطانيا من الاتحاد من دون أي ترتيب يجعل الانتقال البريطاني إلى خارجه سلساً. وبما أن لا أحد يرغب بهذه النتيجة، لن يكون ذا معنى إجراء استفتاء على خيار واحد عملي أو مرغوب به.

البديل الذي يعبّر عن طموح أكبر هو إجراء استفتاء يتضمن خيار البقاء داخل الاتحاد. بالتالي، إنّ استفتاء كهذا سيطلب من المصوّتين الاختيار بين القبول بالاتفاق النهائي للخروج أو التصويت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي. وهذا يعني أنّه يجب تقديم خيارين الى البريطانيين تملك حكومتهم القوة لتطبيق أي منهما. لكنّ الوصول إلى مرحلة تكون فيها الحكومة قادرة جدياً على وضع هذين الخيارين أمام الشعب، لن يتحقق بطريقة شبه مؤكدة. فهذا يقتضي البحث في طريقة الوصول إلى تلك المرحلة.

بداية يجب على الاتحاد الأوروبي أن يوافق بالإجماع على تمديد فترة المفاوضات لتحقيق الهدف الصريح بالتفاوض على نتيجتين منفصلتين كي يختار بينهما الشعب البريطاني. عندها سيتعين على بريطانيا والاتحاد الأوروبي الاستمرار في مسار المفاوضات الحالية الذي لا يزال مستمراً منذ 18 شهراً ولم يحقق تقدماً جوهرياً، وفي الوقت نفسه، التفاوض على شروط يمكن لبريطانيا البقاء بموجبها داخل الاتحاد. فقط في حال اتفاق الطرفين على هذين المسارين، يمكن حينئذ إجراء الاستفتاء. قد يستغرق هذا الأمر سنوات لتحقيقه نظراً لصعوبة إيجاد اتفاق بين 27 دولة في الاتحاد إضافة إلى اكتظاظ مهمات الخدمة المدنية البريطانية.


المسار غير معقّد؟ ... فكّروا مجدداً

يرى البعض أنّ البقاء داخل الاتحاد سهل. يقولون إنّ المصوتين بإمكانهم اختيار العودة إلى الوضع السابق وبناء على ذلك لا يوجد مفاوضات لإجرائها على هذا الصعيد. لكنّ هذه الرؤية هي مجرد أمنيات بحسب ما يكتب هاريس. لا يتعلق الأمر ببريطانيا كي تقرر ما إذا كان يجب عليها البقاء داخل الاتحاد الأوروبي وفق المعايير السابقة. فهذه مسألة مفتوحة يجب حلها إما بحكم قانوني من محكمة العدل التابعة للاتحاد أو من خلال اتفاق سياسي في مجلس أوروبا. في كلتا الحالتين، ليس أمراً يعود لبريطانيا فقط أن تقرره. إذا كان لحق بريطانيا البقاء داخل الاتحاد أن يتقرر كمسألة سياسية، ستكون النقطة العالقة – بسبب تطبيق المادة 50 – ما إذا كان على لندن أن تعيد تقديم طلب الانضمام إلى الاتحاد. رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر اقترح ذلك. هذا الأمر يفرض أسئلة معقدة على المفاوضين وهو لن يكون مساراً سريعاً وسلساً. تكمن المشكلة في أنّ بريطانيا تمتعت طوال عقود بمعاملة خاصة داخل الاتحاد مثل تخفيضات في المساهمات المالية وإعفائها من التداول بالعملة الأوروبية الموحدة والتمتع بمزايا اتفاقية شنغن. سيكون أساسياً للبريطانيين الإبقاء على هذه الامتيازات كجزء من أي اتفاق كي تظل بلادهم منضوية في الاتحاد. لا أحد يعتقد أنّ الشعب البريطاني سيوافق على البقاء فيه وفقاً لشروط أسوأ من السابق، وبالتالي لا جدوى من إجراء استفتاء لا يتضمن هذه الخيارات.


المزيد من الإشكاليّات

إذاً هنالك مفاوضات مطوّلة تنتظر البريطانيين. وفيما لو لم يكن هذان المساران المتوازيان من المفاوضات يثيران ما يكفي من الإشكالات، فستُربط المسألة بإجماع دول الاتحاد على تمديد فترة المفاوضات. سيكون تحقيق ذلك صعباً لأنّ قادة هذه الدول لديهم مشاكلهم الخاصة، كلٌّ داخل بلده. ويجب أيضاً على الحكومة البريطانية أن تبقى في السلطة. لكن بما أنّ ماي ترأس حكومة أقلية، ليس هذا الشرط مضموناً.

يطرح هاريس مجموعة من الأسئلة ترتبط باحتمال سقوط الحكومة واللجوء إلى انتخابات عامة وموافقة الاتحاد عقب ذلك على تمديد المفاوضات خلال تشكيل بريطانيا حكومة جديدة والفترة التي سيستغرقها ذلك، ليشرح المزيد من التعقديات التي تلوح في الأفق. ويضيف أنّ هنالك فقط ستة أشهر باقية قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بوجود أو بعدم وجود اتفاق.


الاحتمال ضئيل

ومع ذلك يوضح هاريس أنّ كل شيء محتمل في السياسات الدولية. لكنّه بالمقابل يشدد على أنّه يكاد يكون خيالياً أن يقبل قادة بريطانيا بتغيير رأيهم تجاه البريكست وأن يقنعوا جميع الحكومات السبع والعشرين الأخرى في الاتحاد كي تمدد فترة التفاوض إلى ما لا نهاية وأن يطلبوا من الاتحاد تقديم خيار البقاء والتفاوض على شروط علاقتين مستقبليتين محتملتين وأن يشرّعوا وينظّموا استفتاء ثانياً حول البريكست وبعدها أن يطبّقوا أياً ما يريده البريطانيون. حتى في أفضل الأحوال، يبقى أنّه لم يعد لبريطانيا التحكم الأحادي بعضويتها في الاتحاد بعدما تخلت عنه عند لجوئها إلى المادة 50 في آذار 2017.


لا يزال بإمكان الحكومة البريطانية أن ترسم شروط البريكست لكنّها لا تستطيع أن تقررها لنفسها. كذلك، لا يمكنها وقف مسار البريكست بأكمله. هذه أسئلة سيكون لسائر الحكومات قرار مساوٍ للقرار البريطاني إن لم يكن أكبر منه حتى، كي تتخذه.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم