الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

الحق والعدل وجهة نظر

منى فياض
الحق والعدل وجهة نظر
الحق والعدل وجهة نظر
A+ A-


عندما نقل المعلق الصحافي التقرير الذي أنجزه ل"سكاي نيوز" تحت عنوان "فضيحة جديدة تؤكد اننا نعيش في بلد القمع بكل اشكاله، اذ منعت قوى الأمر الواقع انعقاد خلوة "لقاء سيدة الجبل" في بيروت". وجاء في الحيثيات التي قدمها النائب السابق فارس سعيد: ان المسؤول عن الأمن والارتباط في "حزب الله" وفيق صفا بعث بـ"رسالة أمنية" الى "اللقاء"، بإعلانه من خلال "تلفزيون الجديد"، أنه "اتصل بإدارة فندق البريستول طالبا إلغاء الحجز" المتفق عليه مع إدارة الفندق، لعقد خلوته تحت عنوان "رفع الوصاية الايرانية عن القرار الوطني دفاعا عن الدستور وحماية للعيش المشترك"، في 7 تشرين الأول الجاري. بعد البريستول اعتذر فندق جيفينور روتانا أيضا عن استقبال تلك الخلوة الاحد بعد ان كان وافق عليها.

 

علّق صحافي ممانع على الخبر قائلاً: " في صحافي فات على سفارة ما طلع!! بتحكيني بفارس سعيد؟ ".

وكأن هذا يمنع ذاك!!!

ذكرني كلامه بمقولات الأنظمة العربية: فلسطين محتلة وتطالبون بحريات وحقوق؟ فلسطين محتلة وتطالبون بتحرير المرأة؟ وها نحن وصلنا الى ما نحن فيه، لا تحرير ولا حرية ولا حقوق ولا امن ولا تنمية.

هذا ويسجل ان الدولة اللبنانية وأجهزتها غابت غياباً تاماً عن السمع امام هذا الانتهاك السافر للقوانين ولسلطتها من قبل طرف يستولي على صلاحياتها لمنع مواطنين لبنانيين من حقهم بالاجتماع.

ربما هي الصدفة التي جمعت زمنياً ومعنوياً بين حادثة اختفاء الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول ومنع انعقاد خلوة ترفض وصاية إيران على لبنان ولو عبر وسطاء محليين.

لكن هذين الحدثين، المتعلقين بموضوع الكلمة وحرية التعبير والاخفاء القسري او الاغتيال، مرتبطان أصلا دون هذا التزامن الصدفوي. فهما يتعلقان بالرقابة والقمع وانتهاك حقوق الانسان واستنسابية العدالة. في الحالة الأولى تنتهك حرية وسيادة بلد، وفي الثانية تنتهك حرية شخص وحياته.

كيف واجه الرأي العام الفايسبوكي الأمر؟ اشتعلت حرباً عشوائية بين الفريقين المتناحرين.

فريق يقفز فوق التجاوزات الواضحة للعيان والتي تستهين بالدولة والدستور والقوانين مركزا نقده على اختفاء جمال خاشقجي وعلى السعودية. وفريق من المفترض انه يدافع عن حريته وكافة الحريات المنتهكة التي تصل الى حد الاغتيال؛ نجد انه عندما يتعلق الامر بحليفهم السياسي، السعودية هنا، يبحثون عن تفسيرات ومبررات تقطر تملقاً لواقعة لا لبس فيها، خاشقجي دخل سفارة بلاده ولم يسجل خروجه منها. المؤكد هنا انه لم يخرج ولا خبر يؤكد بقاءه حيا.

ربما يكون عذرهم ان هذ النوع من الخطف والاخفاء ليس أمرا جديدا لا على منطقتنا، بشكل خاص، ولا على دول العالم، بشقيها الليبرالي والمستبد. وصحيح أيضا ان هذه الممارسات تطال الصحافيين بشكل خاص.

لكن كل ذلك لا يتم بهذه العلنية ولا بهذا الشكل والاستخفاف بالرأي العام العالمي الذي ضاق ذرعا بهذا النوع من الاعمال مؤخرا. كل ذلك ضخم المشكلة واثار الاهتمام العالمي بها.

من هنا الملفت في هذا السجال اللبناني تغييب الخطيئة الأولى: في حالة خاشقجي، اختفاء صحافي أعزل إلا من كلماته العارية. وفي الحالة الثانية الاعتداء على تجمع سياسي ومنعه من الحق بالاجتماع للتداول سلميا في الوضع الذي آلت اليه البلاد. هذا في وقت بلغ فيه تدهور الأوضاع مستوى غير مسبوق، ما دعا جريدة "النهار" الى الصدور بيضاء تماما اعتراضا على ما يجري.

كما ان الحادثة نفسها برهان على ان عنوان الاجتماع يعبر عن الحقيقة المرة.

فالغائب الأكبر في النقاشات التي دارت وتعبر عن شريحة من الرأي العام هو مبدأ الحقوق، حقوق الانسان وحرية التعبير والقمع والرقابة على الكلمة. علق أحدهم على صفحتي بالمناسبة نفسها بما يلي: " تقرير جيد، ارجو منكم ان تبقوا على جهودكم.... حزب الله شغال على الأرض وانتو شغالين بالحكي... هيدا المطلوب".

حسنا ما دام "الحكي" (بمعنى الفارغ هنا) مطلوب لأنه لغو ويفسح في المجال لأصحاب مشاريع الهيمنة بالعمل على الأرض لاستكمال مشروعهم في الاستيلاء على البلد، لم اذاً يمنع اجتماع لن يكون سوى ممارسة للحكي؟

الإجابة لأن كلمة الحق مخيفة بالطبع، ولأنها ستنتصر في النهاية.

من ناحية أخرى، كيف يمكن ان ندافع عن حقوقنا في لبنان تجاه من يقمعنا بجميع الوسائل بما فيها القتل عند الضرورة، في حين لا نستنكر اختفاء صحافي دون أي توضيح؟

الصمت في كلتي الحالتين خيانة للمبادئ التي يزعمونها. وهو سبب ونتيجة للرقابة المعممة على الكتب والصحف والنشرات الاخبارية والمسرحيات او الافلام. وهو قبول بالرقابة السياسية وبالقمع. وترسيخ ركائز الاستبداد.

انتهاكات حقوق الانسان أكثر من ان تعد او تحصى. عرف لبنان مئات الاغتيالات الموصوفة، ربما أعلى نسبة عالميا نظرا لعدد سكانه. اغتيالات طالت كتابا وصحافيين وذوي رأي وسياسيين ورجال دين وقانونيين. لكن الانحدار الأخلاقي يبلغ أقصاه حين تبرر أعمال القمع والقتل او يسكت عنها. مهما كانت ذريعة الفاعل.

اما من يزعم الحياد هنا فيتوجه بالسؤال البريء ظاهريا: طالما هناك سلطة بيد اللبنانيين فليس هناك هيمنة او احتلال.

يثير هذا السؤال تعليقين: الأول بأي سلطة اذا يتم انتهاك القوانين والدستور؟

والثاني ان وضع اليد على البلدان والاحتلالات يحصل بأسلوبين اما بالعنف المباشر واما بالتسلل من الداخل بواسطة الفساد وغيره من الوسائل.

واذا سلمنا جدلا بوجود انقسام في الآراء تجاه السياسات المعتمدة، هل للمعارضة السياسية الحق بالاعتراض ام لا؟ واذا نعم ما هي الوسائل التي على المعارض استخدامها لمحاولة احداث التغيير الذي يرغب به عندما تمنع عنه الوسائل السياسية والسلمية؟ ما الذي يمكن للمطالبين بهذا التغيير القيام به؟ لا شك اما الرضوخ لأسوأ انواع الاستبداد والطغيان؟ أو دفعهم للجوء الى العنف والتسابق على استخدامه؟

وهذا حال منطقتنا منذ عقود. دورات عنف، الثأر والثأر المضاد ومزيد من الاستبداد والطغيان من قبل الحاكم الفرد أو الديكتاتوريات والفاشيات الدينية وغير الدينية وعلى يد عسكريين أو حزب حاكم!!  

كل هذا يثبت ان العدالة لا تتعلق بالجرم بل بالموقف من المتعدي.

وعلى رأي الصحافي ديفيد روبسون فيما كتبه في ال"بي بي سي" تحت عنوان: "هل ماتت الأخلاق في عالم السياسة؟

من الصعب على المرء، مهما كان انتماؤه السياسي، أن ينكر أن مجال السياسة أصبح خلال السنوات العشر الماضية أقل تحضراً ودماثةً. ربما يعود هذا الأمر إلى وجود وسائل التواصل الاجتماعي، التي زادت من قدرتنا على الاطلاع بشكلٍ مباشرٍ على أفكار من هم في سدة الحكم".

 

الدول مستعدة دائما لأن تضحي بحقوق الانسان حفظاً لمصالحها. لكن في الحالتين يظل المستهدف أصحاب الكلمة والرأي. انه اختبار للعالم في قدرته في الحفاظ على القيم التي ينسبها لنفسه. الأكيد ان من يصمت ويبرر اليوم عليه ان ينتظر دوره لاحقاً وان يتقبله راضياً مرضياً.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم