فأخــــذ معــــه هالــــة فرنســــا

"فأدرك القدامى ذلك فعلّقوا على الاخلاق أهمية جلى. فإن هي سمت غدا وجود الحكومة باطلاً، أو كاد، وان هي فسدت كادت الحكومة ان تصبح أمراً محالاً".برتران دو جوفنالمرّت أربعة عقود على غياب شارل ديغول. كان موعده الاخير، بعد ظهر التاسع من تشرين الثاني 1970، مع جاره في قرية كولومبي. كانا قد اتفقا على تبادل قطعتي ارض، لكي يوسّع الجنرال مماشي الحديقة في "البواسري". انتابه قلبه، قبل الموعد بقليل. هرعت العاملة، أونورين، تبلّغ زوجته مرتعدة. هدّأت مدام ديغول روعها: اذهبي واطلبي طبيب القرية المجاورة، وذهبت هي بدورها تطلب كاهن كولومبي. وصل كلاهما بعد عشرين دقيقة. لكن عملاق فرنسا كان قد اغلق سجل العظماء في بلاده.طبع شارل ديغول عملي الصحافي، وانا غير مدرك بعد، ماذا يعني ان يتمنى للصحافيين تدوين التاريخ في زمنه. المرة الاولى، 1961، شاهدت باريس مدججة بالدبابات، تنتظر وصول المظليين من الجزائر لكي تطلق عليهم المدافع. ونجت فرنسا من الحرب الاهلية. وفي المرة الثانية كنت في باريس، 10 ايار 1968، عندما خرج الفرنسيون على ديغول، وراح الطلاب يبولون على نصب الجندي المجهول. وبعد عام تماما ذهبت الى قرية سنيم الايرلندية، في اثر الجنرال المستقيل الى المنفى من عقوق الفرنسيين. لم اكن اعرف انني اشهد، تحت رذاذ ايرلندا، ختام الفصل الاخير من عظمة فرنسا، ونهايات الجيل الذي اعلى قامات الحرية حول العالم: جواهر لال نهرو، جمال عبد الناصر، جومو كينياتا، كونراد اديناور، والمطران مكاريوس.ذلك النهار في "البواسري"، منعت مدام ديغول الرسميين من الدخول، وبدأت تنفيذ الوصية: لا يُكتب على قبره سوى تاريخ الولادة، وتاريخ الوفاة. تحرق جميع الوثنيات الا بذلته العسكرية وقبعته (الكيبي) لغرض المتحف. يدفن الى جانب ابنته المعوقة، آن، ضعفه الوحيد وهزيمته الوحيدة. المرة الوحيدة التي قبل فيها الجنرال مالا عاما، كانت من اجل جمعية المعاقين التي انشأتها العائلة تضامنا مع آلام آن. لم يسجل في تاريخه، او تاريخ عائلته، او تاريخ نسب له، اي فلس، او اي هدية او اي معاملة او اي علاقة.النزاهة...