الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

هوليوود العتيقة: ديفيد نيفن "الجنتلمان" الذي قرّر ذات يوم أن ينتحر!

هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
هوليوود العتيقة: ديفيد نيفن "الجنتلمان" الذي قرّر ذات يوم أن ينتحر!
هوليوود العتيقة: ديفيد نيفن "الجنتلمان" الذي قرّر ذات يوم أن ينتحر!
A+ A-

كان الإكليل الموجّه من الحمّالين في مطار هيثرو ضخماً، وبكى الرفاق عندما قرأوا الكلمات المؤثرة التي أقرّت بفضل هذا الرجل الذي لم تغلبه الحياة (على الرغم من مُحاولاتها المُتكرّرة) ولكنه رحل مُستأذناً عندما دعاه الموت إلى ظلمة الليل الأبدي: "إلى أرقى جنتلمان مشى على الإطلاق في هذه القاعات (أي قاعات مطار هيثرو). لقد تمكّن من أن يجعل الحمّال يشعر وكأنه ملك"!

ديفيد نيفن، صاحب الشخصيّة المصقولة وغير المُكترثة بلُعبة الحياة وخططها المُعقّدة.

ديفيد نيفن، اللبق والدمث الذي صارع الحياة بابتسامة صغيرة وروح مرحة رافقته حتى يومه الأخير في العام 1983.

ديفيد نيفن الذي أخفى من خلال مَرحه الظاهري وهزّة الكتف المُستنكرة (والموبخة للواقع)، مأساته المُتكرّرة وسوء التفاهم المُزمن بينه وبين الأيام.

هو ضيف الحلقة الثانية من "هوليوود العتيقة".




كان أكثر من مُمثّل هوليوودي أعطى أبعاداً جديدة للأناقة المُخمليّة وللرُقيّ، كان أيضاً أحد أهم كُتّاب الذكريات. وتمكّن من أن يتحدث عن أكثر الأحداث الأليمة بخفّة موجعة ورقّة أخفت الكثير من الأسرار!

وُلد الممثل البريطاني في العام 1909، ولم يقرع باب هوليوود إلا في منتصف ثلاثينات القرن المُنصرم عندما فرّ من حياة الجيش حيث كان من المتوقّع أن يرسم لنفسه مُستقبلاً زاهياً، لشعوره بالملل!

كان والده قد لمع في الجيش البريطاني، ولكن ديفيد وجد في الحياة اليوميّة في المؤسسة العسكريّة الموت البطيء، وكان لا بدّ له من أن يبحث عن المغامرة.

فإذا به يجدها في هوليوود.




إكتشفه صاموئيل غولدوين عندما كان نيفن يؤدّي أدواراً أقل من ثانويّة في الأفلام الهوليووديّة، وسُرعان ما تحوّل أحد أهم النجوم في تلك الحقبة الذهبيّة.

رسم لنفسه شخصيّة سينمائيّة "خالية من الخطأ" وتمكّن مع مرور الأيام من أن ينقل هذه الشخصيّة أو يتبنّاها في حياته اليوميّة...ولكن حياته في الواقع، لم تكن خالية من الخطأ.

ويُقال أن ديفيد نيفن لم يكن ذاك الجنتلمان "الحريريّ" الذي اضطلع بدور الأرستوقراطي النبيل والمتواضع والواثق من نفسه، طوال الوقت. بل كان يُعاني من عدم الاستقرار الداخلي، وكان يلجأ أحياناً إلى استعمال الآخرين للوصول إلى مُبتغاه.

وإشتهر لكونه زير نساء أدمن على الجنس بشكل مرضي هرباً من طفولته الأليمة.

وعندما إقترب من الموت، أعطى سلسلة من المقابلات الصحافيّة إعترف من خلالها بشياطينه التي طاردته طوال حياته، مؤكداً أنه يُريد أن يشعر بما يُشبه السلام قبل الرحلة الأخيرة مع هذا الخائن الذي يُدعى الموت.




وفي هذه المُقابلات الصحفيّة الشهيرة، سلّط ديفيد نيفن الضوء على اكتشافه باكراً بأنه في الواقع طفل غير شرعي رفض والده الحقيقي الاعتراف به خوفاً من المجتمع. وعندما أرسلته والدته إلى مدرسة داخليّة عريقة، تعرّض للتحرّش الجنسي من قبل الصبيان الأكبر سناً منه. وبقي حتى يومه الأخير مسكوناً بالرعب الذي خلّفته هذه الأفعال التي وصفها بالساديّة!

أدمن الجنس بعد علاقة حارّة أقامها مع مومس عندما كان في الـ17، ولم يتمكّن من أن يُعالج نفسه من هذا الهوس. وعندما قُتلت زوجته الأولى إثر حادث مأسوي، تضاعف الهوس حتى وصل إلى مرحلة المرض، ورافقه الشعور بالذنب طوال حياته.





كره الأصدقاء زوجته الثانية واعتبروها الشيطان، لاسيما وأنها كانت مدمنة على الكحول وتُعاني من الاكتئاب المزمن. وقيل إنها كانت تجد لذة حقيقيّة في تدمير نيفن أمام الآخرين. ولكن الممثل النبيل رفض أن يهجرها لشعوره بأنه مذنب أيضاً وأنه في الواقع دفعها إلى الجنون بفعل إدمانه الجنس وعدم قدرته على السيطرة على الشبق الذي دفعه إلى إقامة علاقات سريعة مع عشرات النساء.


ويبقى الاعتراف الأكثر مفاجأة للآخرين في سلسلة المقابلات الصحفيّة التي أجراها نيفن قبل وفاته، أنه، في الواقع، وبعد مقتل زوجته التي عرف معها الحب الحقيقي، حاول الانتحار بواسطة مسدس صغير وجّهه إلى رأسه. وعندما فشلت محاولته (بفعل تعطّل الزناد) اعتبرها رسالة من الله ليبقى على قيد الحياة من أجل ولديه.




وفي هذه المُقابلات قال أيضاً إنه خسر صداقة النجم الهوليوودي "الأخوت" إيرول فلين، عندما حاول هذا الأخير أن يغويه!




في نهاية حياته أصيب بمرض عصبي أفقده القدرة على المشي والكلام بطريقة سليمة. ويُقال إن زوجته الثانية لم تقف إلى جانبه في أيامه الأخيرة. وكان يحلو لها أن تهزأ منه أمام الأصدقاء قائلة، "وأخيراً لم يعد في استطاعته أن يروي القصص البطوليّة عن ماضيه الزاهي!".

ولكنه حافظ، حتى في هذه الساعات المُظلمة على روحه المرحة وعلى ابتسامته التي أخفت الكثير من الأسرار.




بكى الرفاق كثيراً عندما توفي هذا الجنتلمان المسكون بماضيه الأسود في تلك السنة، وراحوا يروون لأهل الصحافة عن أجمل ميزاته، وعن وصوله دائماً "على الوقت" خلال التصوير. وعن حفظه كل الأدوار وليس فقط دوره. وعن إصراره على مواجهة الحياة التي وصفها بالبائسة، بابتسامة صغيرة موجعة بنبلها.



لم تكن حياة ديفيد نيفن "بطاقة بريديّة" أو حتى حريريّة في ملمسها، ولكن الجميل فيها أنها كانت حقيقيّة، لا تُشبه الأفلام ولكنها أقرب ما يُمكن إلى الواقع.

وهو على فراش الموت، همس بسكون، "أتمنى أن تكون بريمي (زوجته الأولى) في انتظاري عندما تحين لحظتي".

                                       [email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم