الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

الليل معرضاً مرسوماً ومنحوتاً تحت سماء فرنسية

المصدر: "النهار"
ميتز (شرق فرنسا) - أوراس زيباوي
الليل معرضاً مرسوماً ومنحوتاً تحت سماء فرنسية
الليل معرضاً مرسوماً ومنحوتاً تحت سماء فرنسية
A+ A-

لا حدود للمعاني التي يكتسبها الليل عند الشعراء والفنانين منذ أقدم الأزمنة حتى اليوم. فالليل ليس فقط "ليل العشاق والشعراء والمنشدين" كما قال جبران خليل جبران في مناجاته لليل، بل هو الليل المفتوح أيضا على الدهشة والحلم واللذة والعنف والخوف.

منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مع اكتشاف الكهرباء، اتخذت النظرة الى الليل أبعادا جديدة ووجد هؤلاء الكتاب والفنانون معاني جديدة لليل لم تكن موجودة من قبل. في هذا السياق، كرس "مركز جورج بومبيدو" الثقافي - فرع مدينة ميتز، معرضا ضخما بعنوان "رسم الليل" يتمحور حول الليل والفن الحديث والمعاصر، تواكبه منشورات منها كاتالوغ فخم وبرامج ثقافية متنوعة.

طالما كان الليل مصدر وحي في تاريخ الفن وهو لا يزال حتى اليوم حقل تجارب خصباً. العودة الى هذا الموضوع تتجاوز الفن لطرح أسئلة جوهرية حول موقع الانسان في الكون، وحول جوانب أخرى تدخل في السجال العام، منها بيئي كموضوع التلوث الضوئي الذي يعوق رؤية النجوم في الليل ويحدث خللا في نظام الحياة الحيوانية. منها أيضا سياسي ويتعلق بمسألة عبور المهاجرين السريين ليلا عبر الحدود، وعلمي بحيث أن البحث عن أسرار الليل لم يتوقف. ولن.

هذا الموضوع، في جوانبه المختلفة، هو منطلق الأعمال المعروضة اليوم لفنانين من مختلف الجنسيات والمدارس الفنية، من بينهم أسماء معروفة على المستوى العالمي نذكر منها على سبيل المثل كلود مونيه وبول كلي وفاسيلي كاندينسكى وبابلو بيكاسو وهنري ميشو وفرنسيس بيكون ولوسيو فونتانا. ومن لبنان كل من الكاتبة والفنانة إيتل عدنان والفنان شربل جوزف ح. بطرس، والفنان والموسيقي زاد ملتقى الذي يقدم تجهيزا موسيقيا والفنانة سيرين فتوح التي تشارك بشريط فيديو.

التجوال بين أعمال هؤلاء كمن يتقدم في قلب الليل في أماكن مختلفة، في ليلة صيف قرب البحر أو في شارع مضاء بالمصابيح أو داخل غرف مغلقة تتحرك فيها أجساد في وضعيات حميمة كما الحال مع لوحة بيكاسو "المرأة العارية الممددة". من الفنانين من رسم الليل بصورة تجريدية ومنهم بول كلي والفنانة جنفياف آس. ثمة مجسم يمثل منحوتة برونزية تحيل على مفهوم علاقة الأجسام المتحركة في الفضاء وتحمل توقيع الفنان الألماني ماكس إرنست. كما تطالعنا واجهة زجاجية تظهر من خلالها أضواء المدينة في الليل. بعض الفنانين أرادوا اللعب مع الليل والضياع في متاهاته، كأن يدخل الزائر الى غرفة معتمة تماما لا يتكشف ما في داخلها إلا عندما تعتاد العين على الظلام وتتبين فيها إضاءات خافتة هي بمثابة خريطة متحركة للسماء. وهذا ما يجسده الشاعر والفنان الفرنسي هنري ميشو بقوله إنه "لا يوجد ليل أسود. الأسود المطلق هو استيهام لليل مثلما النور الأبدي هو استيهام للنهار". ويضيف: "ما إن أبدأ الرسم وأضع بعض الألوان على ورقة سوداء حتى يحدث التحول ولا تعود الورقة ورقة بل تصبح ليلا، وتصبح الألوان المنثورة فوقها هنا وهناك بصورة عفوية، كأنها ظهور أشكال تخرج من عتمة الليل".


مدهش هذا المعرض بالأسئلة التي يطرحها، بقدر ما تدهشنا أعمال تجسد رؤى فنية عالية القيمة تكشف لنا جوانب من الليل لا تلتقطها إلا العيون التي تخترق الظلمة وتذهب أبعد من ظاهر الأشياء. لا يكتفي المعرض بلوحات ورسوم وإنما يعرض منحوتات جميلة بالإضافة الى صور فوتوغرافية تحتل جزءا مهما من المكان وتحمل توقيع الفنان والمصور الفرنسي المجري براساي الذي عُرف بتصويره للمدينة لحظة انتقالها من الإضاءة بمصابيح الغاز ليلا الى النور الكهربائي.

يؤكد هذا المعرض أن الليل الذي كان موضوع سحر بالنسبة إلى الإنسان منذ ما قبل التاريخ ونشوء الحضارات، لا يزال حتى اليوم لغزا يتجاوز البشر، فالليل لا نهائي ولا يمكن سبر أغواره بالكامل إلا ما تكشفه لنا، وفق قول الشاعر الألماني ريلكه، أضواء النجوم فحسب.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم