الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

البيروسترويكا خففت الضغط السوفياتي عن أوروبا الشرقية

المصدر: "النهار"
Bookmark
البيروسترويكا خففت الضغط السوفياتي عن أوروبا الشرقية
البيروسترويكا خففت الضغط السوفياتي عن أوروبا الشرقية
A+ A-
على الغرب الا يقف بلا حراك، ليسمح بـ"عملية قمع هذا القرن" بيتر فاركونيي وزير خارجية المجر (لجيمس بايكر وزير خارجية الولايات المتحدة 5 اذار 1989). من الصعب لدى كتابة هذه الكلمات اليوم، في عالم انهارت فيه الشيوعية وتحلل الاتحاد السوفياتي، ان اصف الى اي حد مثل التهديد السوفياتي والخطر الشيوعي دورا في تكوين السياسة الخارجية الاميركية خلال عقود من الحرب الباردة. ولعل من الانصاف القول ان مجرد وجود الاتحاد السوفياتي قد اثر - جوهريا او عرضيا - في حياتنا جميعا تقريبا. انا اعلم انه اثر في حياتي فعلا. خلال نشأتي في هيوستن، في اواخر الثلاثينات ومطالع الاربعينات وجدت ملاذا ثانيا لي في ملاعب كرة المضرب التابعة لنادي ريفر اوكس كونتري كلوب. كنت اقضي معظم ساعات النهار، في كل صيف وحتى دخولي الكلية، العب كرة المضرب واراقب اللاعبين او اتحدث عن اللعبة مع اندرو جيتكوف، خبير النادي الذي ولد في روسيا خلال نهايات القرن، واضطر الى النزوح مع اسرته، بسبب الثورة البلشفية. وقد وجد طريقه الى هذا النادي في تكساس حيث ادار برنامج لعبة كرة المضرب وأشرف على سلسلة مباريات للهواة تقام على مستوى الولايات المتحدة سنويا، وعلم اولادا على شاكلتي كيف يستعملون المضرب ويتمرسون باللعبة في درجة المئة الحرارية الثقيلة خلال صيف هيوستن المشبع بالرطوبة. وبعد ذلك كنا نجلس في طرف الملعب نحتسي الجعة او عصير الفريز. وكثيرا ما كان يستعيد ذكرياته حول روسيا والثورة وكنت اتساءل آنذاك كم كان من المؤلم بالنسبة اليه ان يكون بعيدا عن اسرته ووطنه، فتتدافع احداث التاريخ متلاحقة في رأسي. غير ان الدروس التي تعلمتها منه حول الصداقة واللطف وشفافية الروح كان من السهل استيعابها. وقد شرفني بعد سنوات عندما طلب الي ان اكون عرابا لابنه. واخيرا كان، عقب استحمامي وتغيير ملابس الرياضة، يضع على شعري الاسود والاجعد زيت ماء الورد، فأذهب الى البيت مفعما بالبهجة والنشاط، لتستقبلني والدتي قائلة: "من وضع كل هذه الدهون على رأسك؟". اذا كانت ملاعب كرة المضرب ملاذي الآخر، فقد كان اندرو جيتكوف اشبه بأب ثان بالنسبة الي. ولم يكن يخطر في بالي المدى الذي ستكون فيه حياتي المهنية شديدة الصلة بأفول الاتحاد السوفياتي. فقد تأثرت حياتي الشخصية بقيامه وبرحلة اندرو جيتكوف الى اميركا. (عندما كنت طالبا في جامة برنستون قمت بدراسة التاريخ الروسي وكتبت في مراحل التلمذة الاولى بحثا عن حكومة الكسندر كيرنسكي القصيرة العمر والتي تشكلت بعد اطاحة القيصر نيقولا الثاني، ومن ثم استيلاء البلاشفة على السلطة).    ما ان اعلن جورج بوش رغبته في ان اصبح وزير خارجيته، وقبل ان يثبتني مجلس الشيوخ في منصبي، حتى سارع السوفيات الى محاولة التعرف الى الادارة الجديدة. وبعد انتخابات عام 1988 بوقت قصير طلب اناتولي دوبرنين الذي كان جاء الى واشنطن سفيرا للاتحاد السوفياتي في عام 1962 عندما كان نيكيتا خروتشوف في الحكم واستمر في منصبه 24 سنة، ان يلتقيني على انفراد. وكنت اعرف دوبرنين منذ بداية سنوات عملي في الحكومة. فقد حضر شخصيا مراسم ادائي القسم كوكيل لوزارة التجارة في اب 1975، واذكر انني فكرت آنذاك كم كان بعيدا عن المألوف ان يحضر عميد للسلك الديبلوماسي احتفالا على شرف مسؤول في منصب الوكالة. ويروقني الآن القول انه ربما رأى انني اصبحت نجما صاعدا. ولكن الحقيقة هي انه ربما اعتقد ان حضوره الاحتفال سيساعد السوفيات في قضايا التجارة بين الشرق والغرب، وهي القضايا التي كانت تحتل موقعا مركزيا آنذاك. وكنت ارى دوبرنين بين آن واخر، عندما اصبحت رئيسا لاركان البيت الابيض ووزيرا للتجارة، فتبين لي ان نقله الى موسكو في عام 1986 كرئيس للقسم الدولي في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، جعله احد اقرب مستشاري غورباتشيوف في الشؤون الاميركية. وهكذا رتبت له عقد لقاء معي في مقر سكني في فوكسهول رود بواشنطن. ولدى وصوله هبطنا الدرج معا الى العرين حيث اعتدت تنظيم مقابلاتي الخاصة، بدءا من تسلمي منصبي كرئيس لاركان البيت الابيض واللقاءات التي عقدتها مع الآن غرينسبان وبوب ميتشيل وبات موينهام وبيل برادلي وآخرين، بهدف التوصل الى اتفاق حول الضمان الاجتماعي. اخبرني دوبرنين ان يولي دوبرنين، السفير السوفياتي، سيقوم خلال ايام، بايصال رسالة الى البيت الابيض، تطلب عقد لقاء والرئيس ريغان والرئيس المنتخب بوش. وكان غورباتشيوف سيزور نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة في كانون الاول وقد رغبت موسكو في تنظيم لقاء له يتزامن وموعد الزيارة. قال لي دوبرنين بلهجته التآمرية ولغته الانكليزية المتقطعة: "ما نريده بالضبط هو لقاء وجورج بوش. اننا سعداء بالتعامل معكم، فأنتم تمثلون كما معروفا". ويبدو ان علاقات ادارة بوش بادارة ريغان قد جعلت السوفيات يشعرون بوجد مقدار من الاستمرارية في العلاقات الاميركية - السوفياتية. واجبت دوبرنين قائلا انني اقدر له ابلاغي باللقاء المقترح، واغتنمت الفرصة لسؤاله عن الاوضاع في موسكو. قال بشيء من اليأس: "الناس يشعرون بالقلق، الاقتصاد هو محور اهتمامهم الرئيسي. وهناك توقعات كبيرة الآن. هناك مقدار عظيم من التذمر والشكوى....
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم