الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

باب الرمل في طرابلس... حاضنة الفقراء

طرابلس- رولا حميد
باب الرمل في طرابلس... حاضنة الفقراء
باب الرمل في طرابلس... حاضنة الفقراء
A+ A-

في دراسة أعدتها إحدى دوائر الأمم المتحدة (UN Habitat) سنة ٢٠١٦، وتعتبر الأحدث، والأكثر التزاما بمعايير دراسات المدن، وصفت الدراسة مدينة طرابلس ككل بأنها الأكثر حرمانا بين كل المدن اللبنانية.

ولاحظت الدراسة "نسبة عالية من الفقر، وتاريخا حافلا بالصراعات المذهبية والاجتماعية الداخلية، وتكاثرا سكانيا حفزه نزوح واسع إلى المدينة، إن من اللجوء، أم بنزوح من الريف إلى المدينة، بالترافق مع بنى تحتية رديئة”.



ليست كل طرابلس على مستوى واحد مما وصفته الدراسة، فهناك أحياء شديدة السوء، وأحياء متوسطة الحال، وبعض الأحياء الثرية، ولاحظ باحثون محليون أجروا دراسات سابقة للمدينة، واحيائها الفقيرة، ان المناطق الفقيرة تزحف باطراد نحو المناطق الأقل فقرا، وتتحول المدينة بهذه الحركة التي مرت عليها عدة عقود منذ اندلاع الحرب الأهلية ١٩٧٥، إلى مدينة فقيرة إجمالا، تنحصر فيها أحياء ثرية قليلة في الوسط الغربي من المدينة.


باب الرمل واحدة من المناطق الأكثر فقراً بين هذه المناطق، تنضم إلى الأسواق القديمة الممتدة من باب الرمل جنوبا، مروراً بالأسواق الداخلية، ووصولا إلى باب التبانة، مسافة تناهز الأربعة كيلومترات مكتظة بالبيوت، والمحلات التجارية، وفيها الكتلة الأثرية التاريخية الكبيرة.

يصف محمد تامر-عضو مجلس بلدية طرابلس ممثلا لباب الرمل- أن المنطقة تعرف عقاريا بمنطقة الحدادين، وهي من أكبر المناطق جغرافيا في طرابلس، تضم الكثير من الأحياء والحارات، وصولا إلى البحصاص- البحر غربا، وابي سمراء شرقا، وتمتد حتى ساحة النجمة، وامتدادا منها حتى طلعة الرفاعية، ومن ساحاتها الدفتردار، والنجمة، مرورا بالدباسبة (حي يحمل اسم آل الدبوسي)، ومقهى موسى، ومنطقة محرم، ومنطقة جامع طينال، وحتى محلة الخناق، وصولا إلى أطراف أبي سمراء”.





يقدر تامر أن "عدد سكانها يناهز المائة الف، والناخبون على لوائح الشطب يناهزون ال ٤٣ ألف، جزء كبير منها يقع ضمن المدينة المملوكية، وفيها آثار كثيرة منها الجامع الملعق، والخانكه، والحمام الجديد، وجامع ارغون شاه، وهناك العديد من المدارس المملوكية منها الخاتونية، والسقرقية.

في هذا الامتداد الواسع، تنوع كبير في التصنيف، فأحياء باب الرمل الغربية أكثر اتساعا لأنها الأحدث نشوءا، فهي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر في حركة خروج المدينة من نطاقها الداخلي، لكن الأحياء، والشوارع الواسعة تمتد جنوبا من البحصاص، مرورا بالخناق، إلى محلة مقهى موسى، وتصب عليها طرقات وافدة من جامع طينال، أو من الاوتوستراد العام، عبورا في منطقة محرم التي يغلب عليها الطابع الصناعي. كما تصلها الشوارع العريضة من جهة ساحة الكورة، وشارع العجم غربا، وشارع الراهبات شمالا.

لا تلبث الشوارع أن تبدأ بالضيق اي في المنطقة الأقدم التابعة للمدينة المملوكية، فمن ساحة النجمة حتى طلعة الرفاعية، خط عريض، تتفرع منه عدة طرق ضيقة إلى يمينه جنوبا، لتلج أحياء مختلفة من باب الرمل، وفيها شتى الأحياء البسيطة والفقيرة.

من ساحة الكورة إلى شارع العجم، فساحة الدفتردار، شارع عريض وسعته السلطة عقب قيام دويلة خارجة عن سلطة الدولة المركزية سنة ١٩٧٢ عرفت بدولة المطلوبين بقيادة المعروف بأحمد القدور.

ومن شارع العجم باتجاه أكثر ميلا نحو الجنوب، يمكن العبور إلى مقبرة باب الرمل الكبيرة، ومنها إلى ساحة مقهى موسى، في شارع عريض، ومن ساحة موسى ولوجا إلى الأحياء القديمة، تبدأ أساطير فقر العصر الحديث.

أزقة ضيقة، مهملة، تتحدث جدرانها المتآكلة، المكسوة بالطحالب، أو التي قلشت طبقات الاسمنت عنها بفعل الزمن، فتتداخل الدروب الضيقة، ثم تتسع بعض الشيء أحيانا عند التقاء أكثر من طريق، فتشكل ساحة صغيرة هي ملاعب الأطفال الوحيدة المتاحة لهم.

الحارات عتيقة، بنيانها قديم، كثير التفتت، والتشقق، والتآكل، يعيش فيها أناس وهبتهم الحياة القدرة على الصبر، وتحمل الصعاب لا لسبب إلا لأنه ليس متاحا لهم خيار غير ذلك.

أقبية ضيقة، معتمة، متعرجة، الهدف منها الاستفادة من كل متر مربع للبناء، فتتراكم البيوت فوق بعضها، ولا يعرف بيت من آخر إلا لمن عاش فيها، واختبرها لسنوات عديدة.





غرف البيوت معتمة، لا يعرف غالبها التهوئة، وقد تكون سقوفها متشققة، أنشئت فيها المطابخ في أجواء مفتوحة على الخارج، ومتى أمطرت، حول السكان المطر إلى الخارج في مجارٍ ضيقة صنعوها بأيديهم لتسهيل الحياة. تتكون هذ البيوت إجمالا من غرفة جلوس، وغرفة نوم، ومتى تأمنت فسحة، استخدمت مطبخا، أو حماما مستحدثا، بعضها على الطريقة العربية القديمة بفتحة في الأرض.

اولاد يلهون بالمتيسر، ونساء بأعمار مختلفة يتخذن من الشارع متنفسا للخروج من المنازل، يُقِمن الجلسات الأحيائية في الهواء الطلق، وليس ما يمنع انضمام من يشاء إلى ديوانهن.

في مختلف أحياء باب الرمل مجالس شبابية، تطغى عليها النرجيلة، وفنجان القهوة، دلالة على نسبة البطالة العالية فيها.

يصف تامر واقع منطقته المعيشي والاقتصادي ب"المتراجع دائما نظرا لغياب الاهتمام"، موضحا أن "الهيئات المانحة التي كانت تستقبلها مدينة طرابلس بسبب ظروفها، كانت تهتم بخطوط التماس، كجبل محسن والتبانة، ومع ان منطقة الحدادين تأثرت بنفس المستوى، رغم بعدها عن خطوط التماس، غابت عنها الهيئات المانحة، واقتصرت التقديمات الاجتماعية والصحية فيها على جمعيتين محليتين”.


ويتحدث تامر عن أسباب الفقر في طرابلس، ومنها باب الرمل، أهمها "جولات الاقتتال في المدينة، التي بلغت ٢٣ جولة، يضاف إليها الهجمة الإعلامية على المدينة وشيطنتها، حوٌل ذلك طرابلس إلى مدينة أشباح في فترة من الزمن. فتجمعت هذه العناصر، ولعبت دورا كبيرا في ازدياد حالات الفقر في المدينة، وهروب المستثمرين منها، حيث كانت تضم أهم المعامل والمصانع، التي وظفت آلاف العمال، أغلبها إن لم يكن كلها، أقفلت وهجرت”.

تامر يفيد أن الوجود السوري بأعداد كبيرة، انعكس ضغطا وبطالة في طرابلس لأنها "تعتبر من أهم حاضنات النزوح السوري"، فقد أدى ذلك إلى تزاحم على الوظائف البسيطة، والعمالة ما بين النازح والأهالي”، على ما يرغب تامر في تحديده.

يلاحظ تامر إنه "في الفترة الأخيرة، بدأت المنطقة تشهد تحريك مشروع الارث الثقافي من قبل مجلس الانماء والاعمار، وجرى تأهيل لمنطقة مقهى موسى، مرورا بالجامع المعلق، كما أن الجانب التركي وعد بتأهيل الجامع المعلق، والخانكه”.

باب الرمل أصيبت بعدة انتكاسات، خلال الحروب الأهلية، وإلى الفقر، والبطالة الواسعة، والجهل بسبب تراجع القدرة على التعليم، يؤكد تامر على "خطورة انتشار آفة المخدرات بشكل واسع لا يستهان به بين الشباب”.

ويختم منذرا بالأسوأ: "هذه الظاهرة بحاجة لتدخل سريع من أهل الاختصاص، والدولة اللبنانية، وكل الجمعيات التي تواجه هكذا مظاهر، فهي مشكلة متفاقمة، وستصيب أعدادا أكبر بكثير في حال لم يتم تداركها، ومواجهتها

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم