الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

فصل جديد من صراع الأجنحة في الكنيسة القبطية المصرية

المصدر: "النهار"
القاهرة-ياسر خليل
فصل جديد من صراع الأجنحة في الكنيسة القبطية المصرية
فصل جديد من صراع الأجنحة في الكنيسة القبطية المصرية
A+ A-

وتداولت وسائل إعلام محلية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، نبأ وفاة الراهب زينون المقاري، فجر الأربعاء، في دير المحرق بمحافظة أسيوط (387 كيلومتراً من القاهرة). واتجهت غالبية التقارير والتدوينات إلى أن سبب الوفاة هو الانتحار، ولكن ثمة مؤشرات تنفي فرضية الانتحار الأوسع انتشارا.

وخلال الأسابيع الماضية توقع كثيرون تراجع الصراع الذي اشتعل خلف أسوار الكنيسة الأرثوذكسية بمصر، بعد عظة للبابا تواضروس، وصدور مجموعة من القرارات الحاسمة لضبط الرهبنة والأديرة، وكذلك عقب توجيه الاتهام لراهبين في قضية مقتل الأنبا أبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقاريوس بوادي النطرون، لكن حادثة وفاة الراهب زينون المقاري، جاءت لتنسف هذه التوقعات المتفائلة.

حرب إعلامية

وقالت مصادر قبطية لـ"النهار": "يقف وراء ترويج فكرة الانتحار الحرس القديم في الكنيسة، وأورد بعض المواقع القبطية المحسوبة عليهم، الخبر بعد وقت قصير جدا من الوفاة، وقبل صدور أي تقارير رسمية من النيابة، أو الكنيسة القبطية، وهو ما يشير إلى أن الأمر كان معروفا لديهم، وفيه شبه تعمد لتصوير الواقعة على أنها انتحار، وليست وفاة طبيعية".

وكانت جريمة قتل الأنبا أبيفانيوس، في 29 تموز الماضي، كشفت للمرة الأولى أمام الرأي العام المصري عن الصراع المتأجج داخل الكنيسة القبطية. وبعد الحادثة تم توجيه الاتهام لراهبين بالدير وهما أشعياء المقاري، وفلتاؤس المقاري، اللذان حرما من الرهبنة.

وتبع ذلك سلسلة من القرارات الحاسمة لضبط الرهبنة والأديرة، ونقل 6 رهبان من دير الأنبا مقاريوس، كان من بينهم الراهب الراحل زينون المقاري، الذي تشير بعض التقارير إلى أنه "أب الاعتراف" للراهب المشلوح أشعياء المقاري المتهم بقتل أبيفانيوس.

الصخب والمعلومات

يقول المفكر القبطي كمال زاخر لـ"النهار": "إن الصراع داخل الكنيسة القبطية لم ينته بعد، وقضية الأسقف أبيفانيوس لم تحسم حتى الآن، ولهذا سوف يظل الأمر محل أخذ ورد. نحن بطبيعتنا في الشرق، لا نهتم بالمعلومات".

ويرى زاخر أن "قضية مثل هذه لو حدثت في بلد غربي، وبعيدا عن التحيز للشرق والغرب، كانت سوف تصدر بيانات يومية، لأن الأمر يتعلق بشأن عام، أثار الكثير من الجدل وردود الأفعال، وخصوصاً أن الكنيسة المصرية لم تشهد أحداثا مماثلة، على الأقل في التاريخ المنظور".

"الصراع ما بين الأجنحة المتصادمة داخل الكنيسة ما زال قائما" يؤكد المفكر القبطي، و "لم يتغير شيء. لهذا يحدث ما نراه الآن من صخب. يضاف إلى هذا أن الصورة الذهنية التي تكونت لدى الأقباط عن الرهبنة، ونقائها، أحدثت صدمة شديدة حين أعلنت حادثة القتل، ولم يصدقها الكثير من الأقباط، وسوف يستمر هذا الرفض والجدل إلى أن يستقر في الأذهان أن الرهبان بشر يصيبون ويخطئون".

وتوقع زاخر، أيضا، أن يستمر الجدل حول حادثة الأنبا أبيفانيوس وما تبعها من وقائع وملابسات، إلى أن يصدر حكم قضائي فاصل، مشيرا إلى أنه "بحكم التجارب السابقة، من المتوقع أن تهدأ الضجة بعد صدور الحكم القضائي، وسوف ينسى الناس، وينشغلون بأمور حياتهم، إلى أن يحدث أمر جديد يجذب اهتمامهم".

حلقات الصراع

وتقول الصحافية المتخصصة في الشأن القبطي وفاء وصفي لـ"النهار" إن وتيرة الصراع داخل الكنيسة الأرثوذكسية تتصاعد، وتزايدت حدتها منذ سفر البابا تواضروس إلى الولايات المتحدة، قبل أيام قليلة. من يخوضون هذا الصراع ضد البابا، لديهم هدف واضح، وهو عزله، وهم يعملون طوال الوقت على رسم صورة كاذبة للبابا تواضروس، وهي أنه مهرطق وغير أمين على الكنيسة، وهذا كلام غير صحيح".





"إنهم يستغلون صورة البابا شنودة في تحقيق هدفهم هذا، ويتلاعبون بالجانب النفسي للأقباط لتحقيق مآربهم. البابا تواضروس لديه فكر يختلف عن البابا شنودة، وهذا يضايقهم لأنه ضد مصالحهم الشخصية" تقول وصفي.

وتضيف: "بالنسبة لوفاة الراهب زينون، ما ألاحظه، هو أن هناك إصرارا على تصدير صورة مفادها أن هناك رهبانا يتعرضون للقتل، وينتحرون داخل الأديرة. ومنذ نحو أسبوعين، خرج أحد المواقع الالكترونية وتحدث عن وجود جثة راهب مقتول في دير الأنبا مقاريوس، وعلى الرغم من أن الكنيسة نفت ذلك رسميا، وتم التأكيد على أن الجثمان لشخص علماني، ظل الموقع يروج أنه راهب وجد مقتولا في الدير". وأضاف أنه "لو ربطنا هذه الواقعة مع ما يحدث حالياً من ترويج لفكرة أن وفاة الراهب زينون ناتجة عن الانتحار، فهذا يوضح لنا مدى إصرار الحرس القديم على تشويه صورة رهبان دير الأنبا مقاريوس، الذين يحظون بدعم من البابا تواضروس، وتقديمهم إلى الرأي العام على أنهم قتلة ومنتحرون وغير منضبطين".

ويعود تأسيس دير الأنبا مقاريوس بوادي النطرون (92 كيلومترا شمال القاهرة)، إلى الأنبا الراحل متى المسكين، الذي كان يخوض صراعا مريرا مع البابا شنودة الثالث، وكان يتبنى فكرا إصلاحيا، وهو الفكر الذي يدعمه ويطوره بطريرك الأقباط الحالي.

وبعد احتدام الصراع بين الأنبا المسكين والبابا شنودة، نأى المسكين بنفسه وبتلامذته، واعتكفوا في دير مقاريوس. وبعد وفاته، بدأ البابا شنودة يرسل بعض الرهبان الذين قام بسيامتهم إلى هذا الدير الموجود بمنطقة صحراوية معزولة، وهو ما أثار صراعا ما زال مستمرا حتى اليوم.

وتوضح وصفي أنه "منذ مقتل الأنبا أبيفانيوس رئيس دير مقاريوس، ظهر الصراع للعلن، وأنا أتصور بشكل شخصي أن ما نشهده حاليا قد يكون الحلقة قبل الأخيرة في الصراع. وبدأت أولى حلقات الصدام حين تولى البابا تواضروس البطريركية بعد وفاة البابا شنودة عام 2012، ولم يكن الحرس القديم المحسوب على البابا الراحل، يتوقع منه الخطوات الإصلاحية التي بدأ يتخذها، وقوة الشخصية التي أظهرها، لذا بدأت حرب ضارية لمواجهته".

وتري الصحافية المصرية "أن الحرس القديم لا يدرك أن لكل زمان رجاله، وأن البابا شنودة كان صالحا لحقبته، ولكن الحقبة الحالية، تحتاج إلى من يتحمل أسئلة الشباب وانتقاداتهم. لقد تغير المجتمع المصري كثيرا بعد 25 كانون الثاني 2011، ولم يعد يسير بمبدأ السمع والطاعة، ولكنه يحتاج إلى التفكير والنقاش والاقتناع، وهذا ما يستطيع فعله البابا تواضروس، لأن لديه صبراً وقدرة كبيرة على التحمل، ومواجهة الأفكار بالأفكار".

صورة مشوشة

بعد ساعات من وفاة زينون، ظهرت أخبار وتدوينات تعزز فكرة انتحاره، وأرجع بعضها السبب إلى أنه كان مكتئبا بشدة بعد نقله من دير مقاريوس الذي أمضى فيه قرابة 20 عاما، وقال تقارير إنه تناول "حبوب الغلة" السامة.

وعززت هذه الفرضية تدوينة بثها ميشلل حليم، محامي المتهم الثاني في قتل الأبيفانيوس، وهو فلتاؤس المقاري. وقال حليم في صفحته الشخصية بموقع "فايسبوك": "إيه اللي بيحصل ده، أحضر جلسة الأحد في قضية قتل رئيس الدير (أبيفانيوس)، أطلب شاهد أناقشه في المحكمة عشان يحضر جلسة الخميس بكرة، أصحي النهارده الأربعاء ألقاه هو كمان انتحر ومات".

وبعد ساعات قليلة من الأنباء المتضاربة، أصدرت الكنيسة القبطية بيانا مقتضبا قالت: "رقد في الرب اليوم الراهب زينون المقاري. كان الراهب المتنيح قد تم نقله إلى مستشفى سانت ماريا بأسيوط عقب تعرضه لأزمة صحية مفاجئة".

وأوضح البيان أن "النيابة تجري تحقيقاتها لمعرفة سبب الوفاة. كانت اللجنة المجمعية للرهبنة وشؤون الأديرة قد أصدرت قرارا الشهر الماضي بنقل الراهب زينون المقاري للدير المحرق، بجبل قسقام، القوصية".

كما أقامت الكنيسة الصلاة على الراهب الراحل، قبل دفنه. والصلاة لا تقام على من ينتحر.

وبينما نشرت بعض التقارير الإعلامية أنباء عن أن التقرير الأولى للطب الشرعي يفيد أن سبب وفاة زينون المقاري هو إصابته بذبحة صدرية، نفى القس بولس حليم، المتحدث باسم الكنيسة صدور التقرير رسميا.

وفي ظل هذه الصورة المشوشة، تزداد الحرب الإعلامية بين الإصلاحيين والحرس القديم اشتعالا، وهو ما يجعل الصراع غير المسبوق في تاريخ الكنيسة القبطية، مرشحا لأن يشهد فصولا جديدة، لا أحد يعلم أين ستقود الكنيسة الأرثوذكسية بمصر.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم