الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

نمر سعدي: شاعر يغمّد الريشة في دمه ويكتب

فدوى العبود- سوريا
نمر سعدي: شاعر يغمّد الريشة في دمه ويكتب
نمر سعدي: شاعر يغمّد الريشة في دمه ويكتب
A+ A-

مجرد كتابة الشعر، في أزمنة الرواية تعتبر بطولة. الشعر ليس في أحسن أحواله هذه الأيام، فشقيقته الرواية استأثرت ببيته وشرّدته، كما أن وسائل الميديا، قد جعلت التصدي للبلاغة مهمة سهلة. وفي ظل التحيزات الثقافية والمحاباة سنجد الكثير من المدّعين، من شعراء وشاعرات يرمون في وجوهنا أشعارهن كالبصقات، وكما يقول أحدهم: "وحين ترتفع أصوات كثيرة فإننا لا نسمع منها إلا القليل". وعلينا ألا ننسى المحسوبيات في الأوساط الثقافية، حتى المعيار الدقيق للنقد، وهو بحسب ماكدونالد "ملاحظة العناصر المتميزة"، فقد فاعليته أو خضع مثله مثل الحس السليم إلى العمى. وبحسب رينان ماكدونالد "إن النقد الجيد يتمثل في القدرة على الحكم الجيد، وإدراك ما يسعدنا"

مع نمر سعدي أحببت الشعر، لا هدايا للعاشقات ولا توجد في جعبته هدايا للهائمات، هكذا يحدد بوصلته منذ البداية من الإهداء: إلى النساء الوحيدات.

قصيدتي امرأة صامتة لا تصهل كأحصنة نزار قباني، ولا تذرع دهاليز التبغ كالسيَّاب، وقطعاً لا تحبو على الأرض عاريةً كجدِّها جرير، ولا تصطحبُ عشيقها في رحلةٍ نهريَّةٍ.

وبهذا لا يشكل الحب ثيمة في أعماله، بقدر ما ينحو باتجاه خرائط وتضاريس وعرة. تضاريس الروح العارية إلا من وحدتها وصمتها، بل إنه لا يريد أن يبدد دمه ولحظاته في رهان الحب الخاسر على هذه الأرض السحرية حيث لا تكف الأشياء عن التبدل.

قال شاعر كهلٌ لشاعرٍ شاب: لا تكن تعيساً مثلي

ولا تحوِّل عمرك لدواوين حبٍّ طويلةٍ لامرأةٍ لا تستحق حرفاً منها

في النهاية وبعد فوات الأوان لا فرقَ بينَ نظراتِ العاشق والأبله

لكن إذا كان للحب أن يمر فليكن، لكن بدون شروط هامساً وبهياً، فالقلب سجن، والقلب ينكر، وهو ينكر رواده ونزلاءه ويقهرهم، لذلك يكتفي نمر سعدي بالهمس في أذن محبوبته.

ليس من عادتي أن أسجنها في قلبي مكسَّرِ السياجِ

والعرباتِ

تعلَّمتُ أن أضعَ فمي على وجهها هامساً لها برفق: كم أُحبُّكِ

ثمَّ افتح لها بوُّابةَ جسدي السماويَّة

والحرية التي هي مطمح كل كائن لا معنى لها بدون الحبيبة.

حريَّتي خارج حياتكِ هي أفظع سجوني على الإطلاق

والفجوة تتسع بين لغتين، لغة الروحي والمادي، الهشاشة والقسوة، والشاعر لا يعرف كيف يعبر بين الضفتين، ولا يعرف كيف يبني جسراً يصله بالعالمين فيبقى وسطهما تتلعثم روحه ولغته الثالثة فهو يقول:

لا زلتُ أُخطئُ في التخاطبِ بينَ مفردتينِ، بينَ قصيدةٍ بهشاشةِ الروحيِّ أو ولهِ الفراشاتِ العطاشِ بآخرِ المعنى، وبينَ صديقةٍ بصلابةِ الفولاذِ والحجرِ.

هو مثل نسائه الوحيدات، هن وحيدات لأنهن لا يرضين بالحب إلا اكتمالاً وذوباناً في الآخر، ولا بديل عن الكمال سوى الوحدة فهي أرحم من حب ناقص ومبتور.

سنلتقي لو في مطالعِ أغنياتِ البدو كالغرباء، أو ننحلُّ في بعضٍ كآخرٍ ذرَّتينٍ من الهواء.

لا يمكن اختصار تجربة الشاعر الفلسطيني نمر سعدي في مقال مبتسر، هذه التجربة التي لم تكتمل أبعادها، لكن يبدو أن صاحبها قرر أن يغمد الريشة في دمه ويكتب فوق وجه الكون العاري. وقد وصفها الناقد والشاعر اللبناني المغترب الدكتور جميل الدويهي.. "وردتني في الآونة الأخيرة بضع قصائد من الشاعر نمر سعدي، وعندما قرأتها وجدت نفسي في غابة من السحر والجمال، وعوّضني ذلك عن كثير من مشاعر الإحباط التي شعرتها وأنا أقف أمام نصوص تفتقر إلى مقومات القصيدة، وقد يسألني أحد: ما هي تلك المقومات؟ فأبدو كأنَّ على رأسي الطير، كما أبدو عند سؤال أحدهم: ما سر جمال هذه المرأة؟ أو هذه الوردة؟ أو هذا البحر؟ وهل الجمال يمكن اختصاره في كلمات؟".

ربما ليكتب الشاعر عليه أن يكون بقلبين، قلب واحد يوجعنا فما بالكم باثنين، قلب ليحتمل عبء العمل والحياة وآخر يتململ ويتمرد.

في النصف الأول من آذار تدب الروح الحلوة في كل الأشياء وينبت لي قلب آخر.


الشعر ضلال والكتابة تيه، والقراءة شغف وضلال، يمكن لي كقارئة شغوفة أن أصف تجربته بكلمات الدكتور الشاعر جميل الدويهي حين وصف تجربة قراءته للشاعر نمر سعدي "لقد أمتعني الخوض في شعر نمر سعدي الذي يصف نفسه بأنه "مناضل في الحياة"، وينفي عن نفسه صفة "شاعر كبير"، لكن ليسمح لي بأن أعبّر عن رأيي بحرّية، فسعدي من شعراء قلّة وقدوة في عالمنا العربي اليوم، يحافظون على الشعر من الاندثار، ويحرصون على الأصالة من غير تفريط بضرورة الحداثة، وسعدي، الشاعر الكبير، لا يذهب إلى قصيدة النثر كما يفعل كثيرون لخوفهم من التفعيلة، فهو الملاّح الذي يرتاد البحر هادئاً كان أم هائجاً، فيدرك أبعاده ويحمل منها غنائم وفيرة، ويعود من رحلته وقد عركه الصراع مع العاصفة، لكنه غنيّ بما ملكت يداه من كنوز الخيال وثراء الروح".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم