نحو إعادة كتابة تاريخ المنطقة

إنّ إعادة كتابة تاريخنا، المحلي والإقليمي على السواء، أمرٌ أساسي وملحّ لحاضرنا ومستقبلنا. فهي تساهم في تثبيت جذورنا وتؤمّن لنا منصّة راسخة ننطلق منها كمواطنين عالميين نتحدّث عن المنطقة ومنها وفيها، للمشاركة بفاعلية في عالمنا الذي يشهد تغيّرات متسارعة. على الرغم من النتائج الملتبسة للثورات العربية التي اندلعت عام 2011، فإنّ القرار الذي اتّخذه المواطنون المستاؤون في العالم العربي بالتكلّم ورفع الصوت ساهم في قلب الصفحة على عدد من السجالات التي طبعت تقليدياً دراسات شؤون الشرق الأوسط: لذلك لا بدّ من إعادة النظر في حاضرنا ما بعد الثوري، والمساهمة في صناعة تاريخٍ للحاضر، وجينيالوجيا للمستقبل، من وجهة نظر محلية راسخة وسياقية يمكن أن تكون لها أيضاً أصداء عالمية ويُشارك فيها محاوِرون دوليون.لقد بات لزاماً إجراء مراجعة لتاريخ لبنان والمنطقة، من منظور جديد يتيح إبراز الأبعاد السياسية لتاريخ المنطقة، ويفسح المجال أمام سرديات تاريخية للجماعات المهمّشة ليكون لها صوتٌ تُعبّر به عن نفسها. الحاجة إلى هذه السرديات التاريخية ملحّة، وبغية وضعها، ينبغي تفعيل المواد التاريخية للأصوات والمجموعات المنقوصة التمثيل، فضلاً عن موضوعات وزوايا ووجهات نظر أخرى لم تخضع لدراسات وافية، ويجب أيضاً معالجة الثغر القائمة فيها واستكشاف وسائل جديدة للتفكير حول المنطقة وتنوّعها الاجتماعي والاقتصادي والبيئي والثقافي، ودينامياتها المعقّدة. في الواقع، هناك شحّ في الدراسات والتحليلات الشاملة والعلمية التي أنجزت في المئة عام التي مضت. من هنا ضرورة العمل على تفعيل المخزون التاريخي، وذلك يتطلّب إنشاء أرشيف وطني وإقليمي يكون بمثابة "بنك داتا" للمؤرخين وعلماء الاجتماع والتاريخ والمختصين بالأمور السياسية والثقافية. لا يمكن كتابة التاريخ بطريقة مجدية ومبتكرة إلا عبر استنفاد المصادر استنفاداً كاملاً. في الوقت الراهن، عدد الأرشيفات الأكاديمية أو مراكز التوثيق الوطنية قليل جداً في العالم العربي، وتندر الجامعات التي تقوم بعمل متميّز في أرشفة الوثائق والمستندات ذات الأهمية البحثية والتاريخية عن المنطقة، وحفظها وتأمين الوصول إليها.تأخذ الجامعة الأميركية في بيروت على عاتقها العمل على تمكين الجهود الآيلة...