الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

بعد عشر سنوات على "ليمان براذرز"....هل تنجو الديموقراطيّة الليبيراليّة من أزمة ماليّة أخرى؟

المصدر: "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"
"النهار"
A+ A-

يمكن رؤية هذه الفكرة من خلال تراجع الرئيس الأميركي دونالد #ترامب عن الأنظمة المصرفيّة المتشدّدة التي تمّ إدخالها بعد سنة 2008. في أيّار الماضي، مرّر الكونغرس أول حزمة من الإجراءات لتخفيف قيود قانون دود-فرانك لسنة 2010. علاوة على ذلك، عيّن ترامب عدداً من المسؤولين الذين يفضّلون أحكاماً متساهلة على رأس وكالات أساسية للرقابة الماليّة. وبما أنّ قانون دود-فرانك يعطي هذه الوكالات مقداراً كبيراً من السلطة الاستنسابية في تنفيذ القواعد الماليّة، ستضعف هذه التعيينات تلك الأحكام بحكم الأمر الواقع.


نسيان الدرس في أوروبا

إنّ قلة من الحكومات قاربت بجدّيّة التهديد الصادر عن مصارف أكبر من أن تفشل. لقد أظهرت الأزمة أنّ إغلاق المصارف الكبيرة المثقلة بالديون من دون إيذاء القطاع الاقتصادي الأوسع يمكن أن يكون مستحيلاً. وهذا واقع يفرض على القادة السياسيّين التدخّل لإنقاذها. يبدو أنّ هذا الدرس قد تمّ نسيانه في أنحاء كثيرة من أوروبا. على سبيل المثال هنالك دعم سياسي متنامٍ للدمج بين "دويتشه بنك" و "كومرزبنك" على الرغم من أنّ جمع ميزانيّتيهما، وهي حوالي 1500 مليار و 500 مليار دولار على التوالي، قد ينشئ مؤسّسة تساوي 60% من الناتج المحلّي الإجماليّ في ألمانيا. ونمت الميزانيّة العموميّة لمصرف "بي أن بي باريبا" وهو أكبر مصرف فرنسيّ من حوالي 1600 مليار دولار في 2007 إلى حوالي 2000 مليار سنة 2017.


بين الأمس واليوم ... هل من أزمة ثانية؟

لقد فشلت الحكومات في معالجة تحدّيات التعقيدات الماليّة. إنّ واحداً من أبرز ملامح أزمة 2007-2008 تجلّى في واقع أنّ عدداً قليلاً من الأشخاص فهم التداخل البيزنطي في العلاقات بين المؤسسات المالية العالمية. بعد تعثّر "ليمان" وانهيار السوق بسببه، كان هنالك خوف منتشر من أنّ انهيار لاعب مالي كبير سيسقط كلّ النظام الماليّ – حتى ولو لم يكن المرء قادراً على إدراك الروابط الدقيقة التي سيتحقّق هذا من خلالها. جاء جزء من هذه المخاوف من السوق الواسعة لمشتقات التداول خارج البورصة، العقود غير المعياريّة بين المؤسّسات العاجزة عن السداد أو من حركة التبادل أو أسعار الفائدة التي يمكن أن تنشأ والتي لم تتمتع بسجلّ مركزيّ. سنة 2007، حين بدأت الأزمة بالظهور، كان هنالك حوالي 507 تريليون دولار في أسواق المشتقّات العالميّة غير المقيّدة، بينما في 2018، ووفقاً لآخر بيانات بنك التسويات الدوليّة هنالك حوالي 531 تريليون دولار منها.

هنالك مشكلة أخرى كامنة في أنّ النظام المصرفيّ للاتحاد الأوروبي غير مكتمل بعد. لم يركّز الساسة الأوروبيون إلّا قليلاً على معالجة المشاكل المعروفة جيداً داخل النظام والتي ساعدت في إنشاء وتمديد أزمة منطقة اليورو. لا يوجد حتى الآن نظام مشترك للتأمين على الودائع في حين أنّ الصندوق المشترك لإعادة رسملة المصارف الواقعة في أزمة لا يزال فائق الصغر.

قد لا يشهد النظام المصرفيّ العالميّ أزمة في وقت قريب، لكنّه بعيد عن أن يكون آمناً كي يستبعد المرء انهياراً مالياً في العقد المقبل أو ما شابه. وهذا سيكون مقلقاً بما فيه الكفاية لو كان الحديث يدور فقط عن الضرر الاقتصاديّ المحتمل. لقد كلّف انهيار 2007 و 2008 مئات المليارات في الإنفاق المباشر لإنقاذ المصارف وتريليونات هائلة من خسارة الإنتاج.


الأزمة الماليّة والشعبويّة

ومع أنّ غالبيّة الناس لا تدرك ذلك، من المرجّح أن تكون الأزمة الماليّة قد أدّت دوراً مهماً في تآكل الديموقراطيّة الغربيّة الليبيراليّة. أظهر علماء الاقتصاد، مانويل فونكي وموريتز شولاريك وكريستوف تريبيش، أنّه في الديموقراطيات المتطورة وخلال فترة طويلة بدأت سنة 1870، ازدادت نسبة التصويت لصالح أحزاب اليمين بحوالي 30% عقب الأزمات الاقتصاديّة. كان هذا التأثير خاصّاً بالأزمات الماليّة ولا ينطبق على حالات الركود أو الصدمات الاقتصاديّة الآتية من خارج النظام الماليّ.

من المحتمل أنّ أزمة ماليّة وما يعقبها من تدخلات لإنقاذ المصارف تخلق انطباعاً واسع الانتشار بأنّ النخب الفاسدة تستغل المواطنين العاديّين. ولأنّ تحويل أموال دافعي الضرائب إلى المصارف المثقلة بالديون يحدّ موازنة الحكومة، غالباً ما يعقب التقشّف المالي أزمة كهذه. ويرفع التقشّف نسبة البطالة والمنافسة على السلع العامّة الشحيحة مثل الرعاية الصحّيّة والتعليم والبنية التحتيّة. وفي بعض الدول، يمكن لهذا التنافس أن يعمّق العدوانيّة بين المواطنين والأجانب.

إنّ وجهة نظر العديد من الناخبين الأوروبّيّين تعكس هذه الأحداث. قبل الاستفتاء على "البركزيت"، أعرب مواطنون بريطانيّون عن قلق من أنّ العمّال المهاجرين من وسط وشرق أوروبا يتمتعون بفرص متكافئة للدخول إلى المدارس الرسميّة والتمتّع بالرعاية الصحّيّة العامّة التي تعاني من الضغوط بسبب تخفيض التمويل. وهنالك مخاوف مشابهة في بعض أحياء برلين حيث ترتفع نسبة التأييد لحزب "البديل لأجل ألمانيا". التذمّر المشترك هو التالي: "كانت الحكومة تخبرنا طوال سنوات أن لا أموال لإصلاح مباني المدارس. لكن للمصارف واللاجئين، تتوفّر الأموال فجأة".


لليسار حصّته أيضاً

يرى دوليان أنّ دراسة الاقتصاديين التجريبية تستأهل النقد على جبهات عدّة، لكنّ وجهة نظرهم الواسعة صحيحة. إذا كان بعض نواحي التصويت لصالح ترامب أو البركزيت يمكن توصيفه بالشعبوي، فإنّه من الصعب إيجاد دولة واجهت أزمة مصرفيّة كبيرة بين سنتي 2007 و 2009 ولم تشهد في الوقت نفسه ارتفاعاً في نسبة التصويت الشعبويّ.

هذه الظاهرة تتمدّد إلى ما وراء أحزاب اليمين. اليسار الشعبوي مثل حزب "بوديموس" ملأ الفراغ في إسبانيا بينما وجد النظام السياسي الإيطالي نفسه تحت ضغط اليمين واليسار معاً. ليست الأزمة الماليّة وحدها الدافع لبروز الشعبوية لكن يبدو أنّ أحداث 2007 و 2008 ساهمت بشكل جوهريّ في زعزعة الاستقرار السياسيّ للديموقراطيّات الغربيّة. وتساءل الباحث عمّا يمكن أن تؤدي إليه أزمة مالية أخرى بوجود بصمة كبيرة للشعبويين اليوم في معظم الدول الغربية. ودعا دوليان السياسيّيين إلى عدم حصر التعامل مع الشؤون الماليّة بالمستوى التقني، إذ إنّ وضع حدّ لتجاوزات القطاع الماليّ قد يبرهن أنّه أساسيّ لنجاة الديموقراطيّات الليبيراليّة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم