الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

جمال نجا يشعر بالخوف... "قاومتُ وأواجه المجهول" (صور وفيديو)

المصدر: "النهار"
طرابلس - رولا حميد
جمال نجا يشعر بالخوف... "قاومتُ وأواجه المجهول" (صور وفيديو)
جمال نجا يشعر بالخوف... "قاومتُ وأواجه المجهول" (صور وفيديو)
A+ A-

جمال نجا، في الثامنة والأربعين، وهو المشلول، تقع على عاتقه عائلة من زوجة، وابنتين، وصبي، يسكن ضهر المغر على حافة منحدر القبة المطل على #طرابلس.

لا يجد جمال حرجاً في التحدث عن إعاقته، لكنه يتحدث عن تداعياتها الصعبة على حياته، وحياة عائلته، فأوضاع العمل تزداد صعوبة على الأصحاء، وتتراجع قوتهم الشرائية، بمقابل ازدياد الحاجات العائلية، ومتطلبات الأولاد إن في العلم، أم في الحياة العامة.

يتكلف جمال ثلاثمئة ألف ليرة لبنانية على إيجار بيته. ابنته الكبرى تركت المدرسة، ولا تعمل، وابنه يساعده في دكانه.

الدكان افتتحه والد جمال لمساعدة ابنه في ما تبقى له من قدرة على العمل. كان ذلك منذ أكثر من عقدين من الزمن. الدكان يتفرغ من بضاعته بالتدريج، فالمبيعات أقل بكثير من حاجات العائلة ومصروفها، ولم يعد يتوافر لجمال المال لتجديد الدكان، خصوصاً بعد رحيل والده منذ أربع سنوات، ولا سيما أن الكثير من المبيعات يتم بالدين، و"أنا لا أستطيع جمع مستحقاتي، بينما أدفع كل ما هو مترتب علي"، كما يقول.

الابنة الثانية لجمال في الثالثة عشرة من عمرها، تتابع تحصيلها الدراسي.

كانت الدكان خربة. رممها له والده، وموّنها ببضاعة سمانة. والبيت يقع على مقربة من الدكان، وقد اختاره في الطبقة الأرضية لسهولة الوصول إليه.

اليوم، يواجه جمال تحديين مصيريين: إفلاس الدكان، وطلب صاحب البيت إخلاءه لأنه بحاجة لبيعه، وليس لجمال القدرة على شرائه.

اسئلة كثيرة تطرح في موضوع جمال، شلله، زواجه، وعمله، وكيف سارت أموره حتى بلغ الثامنة والأربعين، وهو لا يزال يكافح للاستمرار رغم إعاقته.

يبدأ جمال بالحديث عن صحته، ويقول إنه "ولد بصحة جيدة، وروت له والدته أنها "يوم ولدته، كان وزنه خمسة كيلوغرامات"، أي بحجم كبير ونادر. وحتى الثانية من عمره، كانت صحته ممتازة، لا بل كان يبدو أكبر من عمره، واكبر من أخيه الذي يكبره سناً.

ذات يوم، لاحظت إحدى الجارات أنه "يمشي خلال اللعب، وتكاد قدمه تصل إلى ظهره"، عبارة نقلها عن جارته التي أخبرت والدته بالأمر، وفجأة، دخل المنزل يشكو مع شعور بالانحلال، وعدم القدرة على تحريك إحدى رجليه، ثم سقط أرضا في المنزل، وارتفعت حرارته بقوة، ويقول متذكرا تلك اللحظة: "لم أعد أقوى على الحركة. وشعرت بشيء يضغط على رقبتي حد الاختناق. كانت حرارتي عالية. نقلني أهلي إلى طبيب حاول تخفيض حرارتي".

ويضيف: "لم أعد أقوى على الوقوف بعد ذلك، وفقدت قوتي، ولازمت الفراش. لم نكن نعرف ماذا أصابني. ونقلني أهلي إلى مختلف الأطباء، ومكثت مستلقياً من دون قدرة على الحركة".

بعد ذلك، عرض جمال على اختصاصيين، إلى أن استقر الرأي على إجراء عملية له في قدميه، ويقول إن "العملية أدت إلى تلبيس قدمه اليمنى بالجفصين كلياً، واليسرى جزئياً، ولمدة ستة أشهر، وبعدها، وصف الطبيب الذي أجرى له الجراحة أن يستحم بالماء الساخن كل ليلة، وأن تدلك والدته رجليه، وبعد الانتهاء، تلفهما معاً بقماشة طويلة، كما كان الأطفال يتحفضون قديماً، حتى اليوم التالي".

في هذه الأثناء، انتقل أهله للسكن إلى القبة، حيث توجد شرفة للمنزل. يتذكر تلك الفترة بسعادة، ويقول: "عندما كان أهلي يغادرون المنزل، كنت أزحف على الأرض، وأخرج إلى الشرفة، وأحاول الوقوف مستنداً إلى الدرابزين، ثم أمشي على الشرفة متمسكا بالدرابزين. ومع الوقت، صرت أشعر بتحسن، وحاولت الوقوف دون الامساك بشيء، ونجحت. كررت التجربة قبل أن أخبر والدتي بالأمر".

عاد جمال للحركة بالتدريج في ظل سعادة الأهل، والتحق بمؤسسة إيريس فرنجية لذوي الحاجات الخاصة، وهناك، اهتموا به، وأجروا له عدة جراحات في رجليه في مستشفى البترون الحكومي، كما روى لـ "النهار"، ذاكراً إن "حالتي تحسنت، وصرت أقف بقوة أكثر، وبعد هذا التحسن، انتقلت إلى مدرسة الغزالي في أبي سمراء لأبدأ دراستي متأخراً عدة سنوات عن عمري".

وصل جمال في دراسته حتى البروفيه، ولما لم يوفق بالنجاح فيها، تحول إلى التعليم المهني، وثابر حتى القسم الثاني في اختصاص برمجة الكومبيوتر، ولم يتمكن من تحقيق رغبته في المتابعة للدراسات المهنية العليا، وتمكن والده من إيجاد عمل له في مكتب تصوير وطباعة، فعمل فيها فنياً على الكومبيوتر، لكن المكتب تخلى عن خدماته. "إذ ذاك، أقام لي الوالد بسطة قرب البيت، ثم فتح لي الدكان التي ما أزال أعمل فيها"، كما قال.

ويتحدث عن زواجه بمسعى من والده، فعرض عليه أن يتزوج ابنة خالته التي وافق والدها، رغم الحالة الخاصة التي يعانيها، ورغم اعتراض أعمام الفتاة، ويعلق بقوله: "لكن القدر شاء أن نتزوج، وبعد مرور سنتين، أنجبنا توأمين إناثاً، توفيت إحداهن، ثم ولد ابني، وبعده ابنتي الثالثة، وفقدنا آخرين حيث أجهضت زوجتي".

عن تطور إعاقته، يقول: "كنت أتنقل من دون عصا، لكن كان علي أن أسند يدي على ساقي لكي أتمكن من التحرك. ثم توقفت عن التدخين، فثقل جسمي، واضطررت أن استخدم العصا، ومع الوقت، تراجعت قدرتي على السير، ولم أعد أقوى إلا على بضعة أمتار".

يمشي جمال اليوم على عصاه بصعوبة، واقتنى نقالة تتحرك بالكهرباء بمساعدة جمعيات تعنى بذوي الحاجات الخاصة، يصل إليها على عصاه، وينتقل منها إلى المنزل القريب عند الحاجة، أو إلى أي مكان يريد.

يواجه جمال صعوبة العمل، وتراجع دكانه التي باتت رفوفها خاوية، بينما رحل والده الذي كان يساعده عند الضيق، ويتساءل: "أين هي دولتنا لتساعد ذوي الحاجات الخاصة؟ ألا يستحقون الحياة؟ لتمنيت ان تسهل الدولة لنا قروض عمل، أو مساعدة الأولاد على التعلم، أو تأمين عناية صحية أفضل".

في عالم تقل فيه الانسانية، وتتجه دولة الرعاية إلى مزيد من الانهيار، يواصل جمال نجا صراعاً بدأه في الثانية من عمره من أجل البقاء، ويختم: "خمسة عقود مرت، ولم أترك طريقة إلا حاولتها للاستمرار رغم إعاقتي، ونجحت، لكنني لأول مرة اشعر عن حق بالخوف على المصير".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم