الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

حاول غورباتشيوف إستغلال واشنطن بالعزف على وتر أوروبا

المصدر: "النهار"
Bookmark
حاول غورباتشيوف إستغلال واشنطن بالعزف على وتر أوروبا
حاول غورباتشيوف إستغلال واشنطن بالعزف على وتر أوروبا
A+ A-
لو أخذت بوجهة نظركم القانطة، لكان علي ان اشرع فورا في البحث عن أقل اشكال الانتحار ألما. لكنني اعتقد انكم تستعمون الى العسكر كثيرا. ليس ثمة من درس يمكن ان تخلقه تجربة الحياة في النفس كذاك الذي يحذرك من ان تضع ثقتك في الخبراء. اذا كنت تصدق الاطباء فلا شيء آنذاك يكون نافعا. واذا كنت تصدق رجال اللاهوت فلا شيء يكون بريئا. واذا كنت تصدق العسكر فلا شيء يكون آمنا. ان كل هؤلاء يحتاجون الى ان يخفف شرابهم بمزيج كبير جدا من الفطرة السليمة الصافية. لورد ساليزبوري في رسالة الى لورد ليتون حاكم الهند (15 حزيران 1877). لم اكن اعتزم البتة الانخراط في السياسة، ناهيك بالسياسة الدولية نفسها. فقد كان القانون هو تراث اسرتي. فبدءا من جدي الاكبر الى جدي ومرورا بأبي الى اثنين من ابنائي البالغين، كانت اسرة بايكر اسرة محامين، او قل اسرة مدعين عامين ساعدت على تكوين اسس التجارة والاعمال والتربية، في الوقت الذي اصبحت تكساس في القرن التاسع عشر الولاية الثانية في البلاد من حيث المساحة. كذلك انخرطت اسرتي في مجال الخدمة المدنية والعامة: فجدي الاكبر كان قاضي ولاية في الستينات من القرن الماضي (1860) وجدي الكابتن بايكر اضطلع بدور مهم في وضع اسس جامعة رايس في هيوستن وفي تشكيل عدد كبير من المنظمات المدنية الرئيسية وتطويرها في هيوستن. غير ان السياسة كانت امرا مختلفا كليا. فالنصيحة التي وجهها الكابتن بايكر الى اولئك الذين يسعون الى ان يكونوا قضاة ناجحين تقول: "اعملوا بجد، وادرسوا، وابتعدوا عن السياسة". وخلال السنوات الاربعين الاولى من حياتي كان ذلك هو ما فعلته بالضبط. بعد التخرج بدرجة الشرف من كلية الحقوق في جامعة تكساس، كان من المتوقع ان اعمل في شركة المحاماة التي تملكها اسرتي "بايكر آند بتس". لكن الشركة كانت آنذاك تطبق قانونا يمنع توظيف الاقرباء. وهكذا انضممت بدلا من ذلك الى شركة "اندروس وكيرث" وشركة محاماة كبرى ثانية حيث عملت بجد وابتعدت عن السياسة. وكثيرا ما اعربت عن خيبتي لانني لم اتسلم عملا في شركة "بايكر آند بتس". فقد كنت موقنا انها كانت شركة القانون الافضل في البلاد. وكانت قررت، بطريق الاقتراع عام 1957 اجراء استثناء لقانون عدم توظيف الاقرباء، في الوقت الذي كان لدي السجل الاكاديمي الذي يبرر الاستثناء. لكنني كنت اقول ايضا ان ذلك كان سيكون مثابة الخطأ الاكبر الذي ارتكبته في حياتي. فلو نجحت كان سيقال ان السبب يعود الى ابي. ولو اخفقت كان سيقال: ماذا كنتم تتوقعون؟ انه يعمل هنا بسبب والده فقط. ولكن عندما اصيبت ماري ستيوارت (زوجتي) بالمرض وتوفيت، اتصل جورج بوش طالبا مساعدته في حملته الانتخابية لمجلس الشيوخ. ومذذاك تعلقت بالعمل السياسي. واصبحت السياسة هاجسي خلال العقدين التاليين من الزمن. وعندما اصبحت وزيرا للخارجية كنت قد رأيت السياسة الاميركية من جميع زواياها تقريبا وتعلمت فن الاستراتيجيا السياسية من القاع الى القمة. الفطرة السليمة والسياسة الخارجية كل ذلك كان رصيدا ايجابيا لي عندما اصبحت وزيرا للخارجية. ولا اعني بهذا انني اقبلت على الجوانب الدولية من عملي ببساطة ومن دون جهد. فعلى رغم الخلفية العملية التي اكتسبتها في السياسة الخارجية كرئيس لاركان البيت الابيض في عهد الرئيس ريغان وكوزير للخارجية في ما بعد، فقد امضيت شهر تشرين الثاني من عام 1988 حتى كانون الثاني من عام 1989 مكبا على درس الشؤون الخارجية بكثير من الجد. ويذكر بوب كيميت كيف اتصلت به في السادسة والنصف من صباح يوم الاحد لاطرح عليه سؤالا على معنى مصطلح غامض يتعلق بمفهوم الحد من انتشار الاسلحة. وقد سنحت له آنذاك فرصة تقديم تفسيرين للمصطلح قبل ان ابادره القول: "هذا كل شيء. شكرا" منهيا بذلك اتصالنا الهاتفي. كما واظبت على حضور جميع الندوات والعروض التي كان يقدمها وكلاء الوزير ومساعدوه وغيرهم. واشرفت على عملية قيام مجموعة الموظفين الانتقاليين (اعني بها طاقمي الداخلي بالاضافة الى جيم سيكوني الذي اصبح في ما بعد موظفا في البيت الابيض) باعداد استراتيجيا تغطي قضايا معينة. وحفظت عن ظهر قلب قوائم بمصطلحات الحد من انتشار الاسلحة. واخرى تضم اسماء الرؤساء ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية. (لم اكن مستعدا لاعطاء اي سناتور فرصة احراجي كما حدث لبيل كلارك عندما رشح لمنصب وكيل وزارة الخارجية عام 1981 ولم يكن يعرف اسماء قادة زيمبابوي وجنوب افريقيا). ومهما يكن من امر فانني اتبنى المحاججة القائلة ان المعرفة النظرية ليست ضرورة مطلقة لنجاح وزير الخارجية. فعمل وزير الخارجية، من حيث الجوهر، عمل سياسي يمارس على مسرح دولي. وقد تبدو السياسة الخارجية للعين غير المدربة، مجردة من الاعتبارات السياسية، الا انها تتعلق بالحزبين الرئيسيين اكثر مما تتعلق بالسياسة الداخلية او الاقتصادية. كما ان المصطلحات الديبلوماسية وضعت عن عمد بحيث تضفي على النزاع هالة من الغموض. ولكنني بصفتي وزيرا للخارجية كان يتعين علي ان افكر ان ثمة ثلاثة ابعاد سياسية على الاقل، لاي اقتراح: - هل سنتمكن من بناء اجماع داخلي مؤيد له؟ - اي نوع من رد الفعل السياسي يمكن ان يثيره في عواصم خصومنا واصدقائنا؟ - واخيرا كيف سيغير طبيعة علاقاتنا السياسية دوليا؟ والحال انك كوزير في حكومة، لا تركز على الجانب التقني من الحكم بل السياسي. كما انك لا تحل المسائل بالاعتماد فقط على اثرها السياسي، ولا تتخذ القرارات لاسباب تتعلق بشعبيتها السياسية فقط، لكنك تتخذ القرارات وتدفع بالمبادرات وتتجنب الكوارث وتطور استراتيجيات وانت واضع هذه العواقب نصب عينيك. ولقد فكرت وخططت بهذه الطريقة، على الصعيد القومي، مذ كنت رئيسا لحملة الرئيس فورد الانتخابية عام 1976. واعتقد ان الاستراتيجيا السياسية، سواء، كانت محلية ام قومية ام دولية، ليست في معظمها اكثر من الفطرة السليمة نفسها، اي تحويل الافكار الى اعمال في ضوء بعض الحقائق وسعيا الى تحقيق اهداف محددة. وبهذا المعنى كنت دائما اشد الفة مع العمل مني مع التأمل. وعلى الصعيد الشخصي والمهني، كان هاجسي باستمرار التحرك العملي بهدف انجاز المهمات بدلا من الجلوس والتفكير في شأنها. ولا اعني بذلك انني استخف بالحياة التأملية او بعالم الافكار. بل ان اساتذتي في كلية القانون لقنوني ما ينطوي عليه المنطق من قوة كامنة من طريق محاورات افلاطون التي كانت دائمة الانعقاد في صفوف الدراسة. وهكذا تعلمت كيف يمكن ان تتحول المحاججة الى مبضع مسنون قادر على استئصال الافكار المترهلة التي تجعل النقطة الرئيسية مبهمة. لكن المهم بالنسبة الي وجود تلك النقطة اصلا. فالمحاججة يجب ان تنطوي على هدف وسبب يبرران وجودها. واذا لم يكن الامر كذلك فانها تصبح مجموعة افكار خملة ومنكفئة على نفسها. وفي هذه الحال ما نفع هذا كله؟ واذا انت اردت ان تضعني في خانة معينة فاعتقد انك ستدعوني واقعيا. وقد كانت اطروحتي الرئيسية التي كتبتها قبل التخرج تدور حول الصراع داخل حزب العمال البريطاني بين انورين بيفان وارنست بيفن (الذي اصبح لاحقا وزيرا للخارجية). لقد جسد الانشقاق بين بيفان وبيفن حال الانقسام بين الاشتراكيين الحقيقيين واولئك الذين يمكن تسميتهم، في الاطار الاوروبي، الديموقراطيين الاجتماعيين. غير ان الانشقاق بدا لي اشد تجذرا. فقد كان انشقاقا بين المثاليين والواقعيين. وكنت معجبا ببيفن الذي كتبت عنه: "لم يكن بيفن معنيا بالنظريات بل بالامور العملية. وقد خبر بنفسه كيف ان الناس عندما يكونون عاطلين عن العمل فان ما...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم