الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

من هي الجمرة الخبيثة؟

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
من هي الجمرة الخبيثة؟
من هي الجمرة الخبيثة؟
A+ A-


كدتُ أقع مغشياً عليَّ من كثرة الضحك المرّ بسبب قصة الجمرة الخبيثة.

أقول ذلك، ليس من باب المزاح، بل في منتهى الجدية.

لكن، أأنا مجنونٌ، أو بلا دماغ، لأضحك وأسخر وأستخفّ، في حين أن الناس يموتون فعلاً وهلعاً بسبب مرض الجمرة الخبيثة؟!

ربّما أنا مجنون، أو قليل الحياء، أو بلا "شئمة"، لأني أتعاطى بخفّةٍ صبيانية لامسؤولة مع أمرٍ مهمّ وجديّ وخطير كهذا.

طيّب معليش. أنا بلا دماغ.

لكني أريد، قبل اتهامي بالجنون أو بغيره، أن تسمحوا لي بسؤال بسيط: لماذا تقوم القيامة على باخرةٍ محمّلةٍ أبقاراً مصابة بمرض الجمرة الخبيثة، ولا تقوم القيامة بسبب استهتار الحكّام بحياة الناس ومصالحهم وعيشهم الكريم، وبسبب استهتار هؤلاء المسؤولين بالبلاد نفسها، بدستورها، بقانونها، وبانتظامها العام؟!

أيّهما أخطر، يا ترى، على الصحة العامة (المصلحة العامة)، الجمرة الخبيثة في باخرة الأبقار، أم الجمرة الخبيثة المتفشية في حياتنا العامة، الوطنية والسياسية والمجتمعية والطائفية والمذهبية والاقتصادية والأخلاقية؟

أريد جواباً صادقاً، لا ممالأة فيه.

ممنوعٌ التهرّب من الجواب الصريح.

فليتجاسر أحدنا ويقدّم جواباً مقنعاً، شرط أن يعمل بموجبه، وبما يرتّبه عليه هذا الجواب من مواقف وممارسات.

بالنسبة إليَّ، المسألة واضحة، ومحسومة، والجواب عنها تحت الإبط: ألف صلاةٍ وسلام على الجمرة الخبيثة في باخرة الأبقار المريضة، ولا صلاة ولا سلام البتة على الجمرة الخبيثة التي تعشّش فينا نحن أبناء هذا الشعب العظيم، وتعشّش في أخلاقيات حكّامنا، في المسؤولين عنا، في نوّابنا ووزرائنا، وتلتهمنا يومياً بشراهةٍ لا مثيل لها، لكن لا أحد ينتفض في وجهها، ويقول لها: بس بقا!

أيّ غرابةٍ في دخول باخرة الجمرة الخبيثة؟! ليس هذه الباخرة فحسب، بل كل البواخر المماثلة، التي أعتقد أن مثيلاتها تعبر مياهنا الإقليمية، بل ترسو في موانئنا، وتدخل مئة مرة في اليوم، ولا أحد يراها. وإذا رآها، غضّ الطرف عنها، لأنه يقبض الرشوة والعمولة ليسكت عليها.

طبعاً، لا يجوز التعميم في أمرٍ كهذا. كما في كلّ الأمور والقضايا. هناك أشخاص أوادم وأصحاب ضمير. فوق وتحت. لكننا على العموم، وبأكثريتنا شبه الساحقة، لا نستحقّ إلاّ الجزمة. جزمة القانون أعني حصراً. لأننا لا نفهم إلاّ بالقوة.

أنا شخصٌ أنادي بالديموقراطية بلا هوادة، لكني أنادي بالقانون، بالشراسة نفسها.

هكذا، من بين كلّ أنواع القوة القانونية، أدعو إلى استخدام هذه القوة بالذات. قوة القانون. وأدعو إلى أن تُستخدَم بلا رحمة. وبلا شفقة. بل حتى بوحشية.

كيف نطبّق هذه القوة؟ لست أدري.

بل أدري. والكلّ يدري. هناك قضاء. فليقم بواجبه.

يجب اللجوء إلى هذا الكيّ، بلا تردد. كي لا يعود يتجاسر ابن امراة على أن يقول "بَه"، أو أن "يقبّ" رأسه، أو أن يلوّح بإصبعه مهدِّداً متوعّداً في وجه القانون.

نحن – وأقول ذلك بدون تعميم - شعب جزمة. فلنُحكَم بها. فهي قليلةٌ علينا.

هي، الجزمة، قليلةٌ علينا، لأننا – يا للعجب العجاب - نقبل بكل ما يجري في حياتنا من هرطقات ويُرتَكب من معاصٍ، كأننا لسنا معنيين بما يجري!

عندما يصبح الحكم طرفاً، ويصبح الأطراف همجاً، ونظلّ نتفرّج مثل البلهاء، ونصفّق مثل البجم، ونتلذّذ برذاذ البصاق على كراماتنا، كأن السماء تمطر علينا المنّ والسلوى، آنذاك لا تليق بنا إلاّ الجزمة.

ليس ثمّة حلّ إلاّ بجزمة القانون.

فلتعمل هذه الجزمة عملها بالرقاب، كل الرقاب، طخ طخ، من تحت إلى فوق، ومن فوق إلى تحت، إلى أن يقول الجميع "آمان يا ربّي".

الديموقراطية على رأسي وعيني. القانون أيضاً.

هذا هو الحلّ: معاً، القانون والديموقراطية، على قدم المساواة، وفي آنٍ واحد. وإن مطبَّقاً – هذا القانون - بالجزمة!


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم