الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

لماذا تزايدت جرائم القتل داخل الأسرة في مصر؟

المصدر: "النهار"
القاهرة-ياسر خليل
لماذا تزايدت جرائم القتل داخل الأسرة في مصر؟
لماذا تزايدت جرائم القتل داخل الأسرة في مصر؟
A+ A-

تباينت التفسيرات لهذه الحوادث: البعض يراها مؤشرا على تدهور أخلاقي أصاب المجتمع المصري، فيما يراها آخرون ردة فعل طبيعية على الأوضاع السياسية والاقتصادية المتأزمة التي يعيشها المصريون منذ ثورة 25 كانون الثاني 2011، فيما عزاها أخرون إلى ارتفاع نسب تعاطي المخدرات والتي بلغت نحو 10% من المصريين وفقاً لتقديرات رسمية.

ومن أشهر الحوادث التي أثارت ضجة في الشارع المصري، خلال الأسابيع الماضية، اتهام أب بإلقاء طفليه في ماء النيل، وهي حادثة عرفت إعلاميا بواقعة "ميت سلسيل"، وسائق توك توك يضع السم لأولاده الأربعة وزوجته ثم ينتحر، وأستاذ بكلية الطب في جامعة الأزهر متهم بضرب طفله حتى الموت، وأم تتخلص من جثث أطفالها الثلاثة بعد موتهم حرقا، بإلقائهم في أحد شوارع منطقة الهرم.

اضطرابات نفسية

يقول الدكتور عبد الرحمن حماد، رئيس وحدة الإدمان بمستشفى العباسية للصحة النفسية لـ"النهار": "لا شك في أن هناك تزايد في حوادث القتل الأسري، وهذا يمكن أن يرصده أي شخص مراقب، ولكن هل وصل الأمر إلى حد الظاهرة، لا استطيع أن أقول ذلك".

ويضيف استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان: "لا يمكن إن يتم الاعتماد على تخصص واحد لتفسير تزايد هذه الحوادث، فالتفسير النفسي، أو الاجتماعي، أو الاقتصادي وحده لا يكفي، ولكن يجب الاعتماد على كل التخصصات ذات الصلة للوصول إلى رؤية واضحة لأسباب تزايد هذه الجرائم".

ويوضح: "هناك صعوبات اقتصادية تواجه الأسر، وتزايد لظاهرة العنف داخل المجتمع، وقد يرى البعض أن هناك تزايداً في الاهتمام بالأمن السياسي على حساب الأمن الاجتماعي. كل هذه الأسباب مطروحة ولا يمكن أن نعتبر أن سببا واحداً منها هو الذي أدى إلى تزايد هذه الجرائم".

"من ناحية تخصصي، فإن الكثير من هذه الجرائم يرجع إلى تعاطي المخدرات" يؤكد رئيس وحدة الإدمان بأشهر مستشفى نفسي في مصر، مضيفاً: "هذا يؤدي إلى اضطرابات نفسية. وما هي الاضطرابات النفسية التي يمكن أن تؤدي إلى جرائم عنف، هناك على سبيل المثال الاكتئاب الجسيم، هذا قد يقود الشخص إلى إيذاء نفسه أو أهله، كذلك حالات الفصام".

ويشير حماد إلى أن "بعض المخدرات تؤدي إلى تسمم، وهذا يؤثر على وظائف المخ، ويجعلها تختل، مثل أن يكون غير قادر على تمييز الصواب من الخطأ، وبالتالي يمكن أن يقوم بارتكاب جرائم مثل القتل او غيره. وأنا أقول دائما إن أكثر من يتعرض لأذى المدمن هم أفراد أسرته، فإذا لم يتعاط مخدرات، بسبب عدم وجود نقود، قد يقوم بضرب أفراد أسرته او إيذائهم أو تكسير أثاث شقته، وإذا تعاطى يمكن أن يقوم بنفس الأفعال".

وحول تفسيره لحادثة القتل التي اتهم فيها أستاذ بجامعة الأزهر، حصل على درجة علمية عالية، وغير مدمن، يقول: "ليس لدي سبب واضح لهذه الجريمة، لكن يمكن في بعض الحالات أن يكون الأولاد لديهم اضطرابات نفسية، مثل اضطراب المسلك، وهو ما يجعل الطفل يكذب ويؤذي ويفعل الكثير من التصرفات السيئة، وقد يشعر الآباء حيال ذلك باليأس، فيلجؤون إلى الضرب، ليس بهدف القتل، ولكن فكرة أن الأب يلجأ مثلا لآلة حادة لضرب الابن، فهذا يعني أن الأب لديه مشكلة نفسية، كأن يكون تعرض إلى عنف في طفولته. والأولاد الذين لديهم اضطراب، أو حتى الذين لديهم نشاط زائد في الحركة، من الأفضل أن يلجأ الأهل إلى أطباء متخصصين لعلاجهم".

أجندة إعلامية

عند الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأميركية بالقاهرة، تفسير مختلف، فهو يرى "أن الإعلام يبدو كأن لديه أجندة تركز على الحوادث، وتجعلها تحظى بأولوية خاصة، وقد يكون ذلك لإبعاد الناس عن الحديث في الأمور السياسية".

ويقول صادق لـ"النهار": "هناك مشكلة في تغطية الجريمة بالإعلام المصري، فيبدو الأمر كأن هناك أجندة للتركيز على هذه الحوادث، لإلهاء الناس عن الأمور السياسية. ومع هذا، فإن تفسير الحوادث على أنها نتيجة الأوضاع السياسية، ليس منطقيا. فعلى سبيل المثال إذا اقتحم شخص مصرفاً، هو لا يفعل ذلك لأنه غاضب من سياسة الحكومة، ولكن يفعل هذا لأنه سارق أصلاً".

ويضيف أستاذ علم الاجتماع: "صحيح أنه من الممكن أن تتسبب السياسات في خلق أوضاع اقتصادية تؤثر على الأشخاص من غير المجرمين، فترتفع معدلات التحرش، والانتحار، والقتل بسبب شجارات الأسرة. بعض الأشخاص يقومون بقتل أفراد أسرتهم، ثم ينتحرون لأنهم يكونون خائفين عليهم من المستقبل، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها، ويتصورون أنهم بذلك يحمونهم من أوضاع مستقبلية سيئة".

"لكن هناك سؤال: هل يمكن أن تكون السياسات التي تم تنفيذها خلال الشهور الماضية هي التي تسببت في ارتفاع معدلات القتل داخل الأسرة المصرية؟" يتساءل صادق، ثم يجيب: "بالطبع لا. فالأمر قد يعود إلى أيام (الرئيس المصري الأسبق حسني) مبارك، وما تلاها في 25 كانون الثاني 2011 من فوضى أمنية، وأوضاع اقتصادية متدهورة".

ويشير صادق إلى أن هذا التدهور "قد يكون أدى إلى التركيز على الأمن السياسي بهدف القضاء على الفوضى، مما أثر على الأمن المجتمعي"، مضيفا "قد يلجأ البعض إلى نظرية المؤامرة، ويقول إن هذه الفوضى والجرائم من مصلحة الحكومة. هذا لا يحدث في مصر فقط، وهذا ليس بسبب سياسات الحكومة، هناك 7 دول في أمريكا اللاتينية تحصل فيها 35% من جرائم القتل في العالم، وهذه جرائم ترتكبها العصابات الإجرامية، لا بسبب السياسات الحكومية".

الأمن السياسي

ويرفض الخبير الأمني ومدير "مركز دلتا مصر للبحوث والتدريب والاستشارات" إبراهيم الغزاوي التفسير القائل إن "تركيز الدولة على الأمن السياسي أثر سلباً على الأمن الاجتماعي"، ويقول لـ"النهار": "لا علاقة للأمن السياسي بجرائم القتل داخل الأسرة".

وأضاف ضابط الشرطة السابق: "الجريمة داخل الأسرة موجودة منذ فجر التاريخ، فأول جريمة كانت بين الأخوين قابيل وهابيل، ولكن ربما نشعر بهذه الجرائم حاليا نظرا لتكرارها، ولكن حين تتم مقارنتها بإحصائيات عدد السكان، فلا تعتبر هذه ظاهرة، فقد بلغ عدد المصريين قرابة 105 ملايين نسمة، وهذه الجرائم تحدث كل شهر مرة مثلاً، وهذا يعني أنها جريمة نادرة الحدوث".

ويضيف "جريمة ميت سلسيل، لم تنته التحقيقات فيها، لكن من الواضح أن الأب يتعاطى المخدرات، وربما يكون مدمنا، ولهذا قد يقوم بأفعال غير سوية، وقد يكون ارتكب جريمته تحت تأثير المخدرات، ولكن هذه أمور سوف تحسمها التحقيقات. ما قام به هذا الرجل على سبيل المثال ليس له علاقة بالاهتمام بالأمن السياسي، فهذه حالة فردية".

ويضيف: "لكن يمكن أن نرصد مثلاً الأمور التي قد يكون لها علاقة بالانشغال بالأمن السياسي، مثل ظاهرة اعتداء المحلات على أرصفة الشارع، أو البناء في الأراضي الزراعية أو على أملاك الدولة، هذه نماذج من الظواهر الاجتماعية السلبية التي يمكن أن تنسب لعدم اهتمام الأجهزة المعنية بها، نظرا لانشغالها بالإضرابات السياسية التي أعقبت ثورة 25 كانون الثاني أو ثورة 30 حزيران، وهذا الانشغال قد يؤدي إلى نمو ظواهر إجرامية معينة في الشارع، ولكن هذا لا علاقة له بجرائم القتل داخل الأسرة".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم