الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

البندقية ٧٥ – "ال ببه" لأمير كوستوريتسا: عاشق التانغو الذي أراد تغيير العالم

المصدر: "النهار"
البندقية ٧٥ – "ال ببه" لأمير كوستوريتسا: عاشق التانغو الذي أراد تغيير العالم
البندقية ٧٥ – "ال ببه" لأمير كوستوريتسا: عاشق التانغو الذي أراد تغيير العالم
A+ A-

المخرج الصربي أمير كوستوريتسا يعود إلى الوثائقي مع "ال ببه، حياة سامية"، المشارك في مهرجان البندقية السينمائي لهذا العام (٢٩ آب - ٨ أيلول). لسنوات، رافق صاحب "زمن الغجر" رئيس الأوروغواي السابق خوسيه موخيكا (٢٠١٠ - ٢٠١٥)، البالغ من العمر ٨٣ عاماً، مؤيداً مواقف هذا المناضل الكبير الذي عرف السجن يوم انضم إلى حركة التحرير الوطنية خلال الانقلاب العسكري في العام ١٩٧٣، قبل ان يشغل أرفع منصب، ولكنه حافظ على قيمه واسلوب عيش متواضع أصبح نموذجاً يحتذى به في العالم أجمع.  

يركّز كوستوريتسا على الساعات الأخيرة لموخيكا رئيساً. الفيلم ليس بورتريهاً تقليدياً له، ليس لأن المخرج يغرقه في العالم الغرائبي الذي اشتهر به فحسب، بل لأنه يذهب أبعد من العناوين الصحافية العريضة التي عرفّته باعتباره "أفقر رئيس في العالم". كوستوريتسا ناقم على نظام عالمي كامل، يعترف بأنه مسيّس جداً في طرحه، ويصفّي حسابه مع هذا النظام "المجرم" من خلال موخيكا.

٧٦ دقيقة نمضيها مع هذا اليساري الحكيم الذي يزرع الزهور في حديقته ويتجول في شوارع مونتيفيديو ويلتقي الناس الذين يتوددون إليه بلا أي بروتوكول، فيعرّج على مركز تجاري كان يُستخدم كمعتقل للمعارضين. بعيداً من السياسة والأفكار التي تحاول تحسين حياة البشر، "ال ببه" هو أيضاً فيلم رقيق عن زمن النضال في السبعينات والخيارات الشخصية التي يتخذها الإنسان في حياته، وأخيراً عن الحبّ الذي له مكان كبير في حياة هذا المحب للتانغو ("لا يمكن ان تحب التانغو الا بعد ان تعيش معنى الخسارة")، مع حضور زوجته لوسيا ورفيقة نضاله لسنوات طويلة إلى جنبه، ومعاً يمثلان فكرة معينة للطوباوية السياسية.

فضلاً عن الإخراج، "يضطلع" كوستوريتسا هنا بدور الشخص الذي ينصت وفي فمه سيكار. موخيكا سهل التعامل معه، يعرض أفكاره بسلاسة وبيقين تكوّن لديه بعد سنوات من النشاط بهدف التغيير. لا سياسة في الفيلم بالمعنى المتداول للكلمة. موخيكا رجل بسيط صارت سيارته الفولكسفاغن رمزاً لـ"ثورته" التي ترفض التبذير والمظاهر الخادعة. الفيلم لا يبخل أيضاً بمقابلات مع رفاق النضال ولا سيما اثنان، أحدهما شغل منصب وزير الدفاع والثاني شاعر. الفيلم يعوم بالشعر، أو بالأحرى بالشاعرية. أكان المنزل الذي يعيش فيه موخيكا أو الخطاب الذي يتلوه أو حتى الهيئة التي يطل بها، فهذه كلها أشياء من خارج الفكرة المرتبطة بالسلطة في أذهان الناس. وهذا ما يصنع جمال فيلم يبحر عكس التيار، الا انه يتركنا مع رغبة في معرفة المزيد عن تجربة النضال التي يفشل في كشفها والتعبير عن كلّ مفاصلها. لعل واحداً من أجمل المشاهد هو عندما يقول موخيكا ان الألم هو الذي صنعه، وتعلّم منه أكثر من أي انتصار أو مكسب سهل. نظرتنا اليه بعد هذه الجملة لا تعود هي نفسها قبلها. كوستوريتسا يعرف أين يحشرها، بالرغم من انه لا يجد طريقه دائماً بين صور الأرشيف ولقطات من فيلم "حالة حصار" لكوستا غافراس ولقاءاته الودودة مع موخيكا.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم