الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

مفاوضات متعبة في حصر الارث النووي السوفياتي بروسيا

المصدر: "النهار"
Bookmark
مفاوضات متعبة في حصر الارث النووي السوفياتي بروسيا
مفاوضات متعبة في حصر الارث النووي السوفياتي بروسيا
A+ A-
بالنسبة الى الجانب الامني من المعادلة، قضيت معظم فصل ربيع 1992 في معالجة مسائل نووية متنوعة ولكنها ترتبط بعلاقة متبادلة. كان اتفاق "ستارت" الذي وقع عليه الرئيس بوش مع ميخائيل غورباتشيوف في تموز 1991 بمثابة معاهدة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. وعندما انهار الاتحاد السوفياتي اصبحت روسيا الدولة الوارثة من الناحية القانونية. غير ان الاسلحة النووية الاستراتيجية ظلت عمليا منتشرة في اراضي ثلاث جمهوريات: اوكرانيا وكازاخستان وروسيا البيضاء. ولهذا كانت مصلحتنا تقتضي بالا تبقى عقب تفكك الاتحاد السوفياتي سوى قوة نووية واحدة. وكنا بدأنا هذه الثورة بوجود قوة نووية واحدة في ذلك الفضاء الاستراتيجي المحدد. ولم نكن نرغب في انتشار تلك القوة النووية الى بلدان اخرى بعد ان يهدأ الموقف. واكثر من ذلك كانت النزاعات السياسية بين روسيا واوكرانيا وكازخستان حقيقية رغم وجود الكومنولث. ومن المحقق اننا لم نكن نرغب في ان نرى دولا متورطة في هذا النوع من النزاعات وقد بدأت احداها تواجه الاخرى مواجهة نووية. واكثر من ذلك كان الرئيس ملتزما الذهاب الى مدى ابعد من اتفاق "ستارت" فضلا عن انه خفض قواتنا النووية كثيرا. فقد استكمل مبادرته التي اطلقها في 27 ايلول 1992، وهي المبادرة المتعلقة بالاسلحة النووية التكتيكية باقتراح استراتيجي نووي كشفه في خطابه المكرس لوضع الاتحاد في 28 كانون الثاني 1992، حيث اعلن ان الولايات المتحدة عازمة على اتخاذ خطوات عديدة من جانب واحد (كالتوقف عن انتاج صواريخ "ميدجتمان" ونشرها ونقل جزء كبير من اعمال قوة القصف الى ادوار تقليدية). غير ان اهم محاور الخطاب كان مركزا على مستويات القوة فبينما يجري خفض عدد الرؤوس النووية الاميركية، بموجب اتفاق "ستارت"، من زهاء 13000 الى 9500 رأس، اقترح الرئيس في خطاب الاتحاد عقد اتفاق "ستارت الثاني" واعلن استعداده بموجبه لان يخفض العدد الى 4700 رأس نووي، اي بنسبة خمسين في المئة اقل من معدلات اتفاق ستارت، (وهذا يعادل المستويات الاميركية لعام 1971 قبل ان يجري التوقيع على اول اتفاق للحد من انتشار الاسلحة النووية). واما القوى في الاتحاد السوفياتي السابق، فتخفض، حسب الاقتراح، وفق المعدلات المنخفضة نفسها. والاهم من ذلك كله ان الرئيس اعاد طرح مبادرة التخلص من نظم صواريخ Mirv التي سبق ان احطت شيفاردنادزه علما بها في لقائنا بوندهوك (ناميبيا) في ربيع عام 1990. وفي حال الموافقة على اقتراح الرئيس يتم استئصال انظمة Mirv و Icbm وبالتالي التوصل الى توازن نووي اشد ثباتا بكثير. وفي الوقت نفسه تقريبا كان الرئيس يلتسين يعرض مبادرته الخاصة للحد من انتشار الاسلحة النووية، وهي تشتمل على عدد من الخطوات المتخذة من جانب واحد. (وكمؤشر صغير يدل على المرحلة الجديدة التي صلنا اليها، كان الرئيسان يتداولان المقترحات سلفا، وهذا يختلف عن العهد السوفياتي الذي كانت المبادرتان ابانه تطرحان علنا قبل البحث في شأنهما). والحال ان يلتسين اقترح احداث خفوض اكبر تصل الى 2000-2500 رأس. وقد حاجج بقوله ان انظمة Mirv كانت تمثل "قمة الشر، من حيث تهديدها للاستقرار". وكان هذا ما عبر عنه في رسالة موجهة الى الرئيس بوش في 27 كانون الاول 1992. وقد استطاع ان يتوصل الى هذه المستويات عندما اقترح استئصال صواريخ Mirv التي تشمل الصواريخ الارضية Icbm، والصواريخ التي تطلق من البحر Slbm. ولسوء الحظ فان اقتراح يلتسين كان كفيلا، في ضوء اعتمادنا الشديد على صواريخ Slbm ان يؤدي الى احداث تغيير جذري في بنية القوة الاميركية، وبالتالي ابعادنا عن نظام القاذفات الثلاثي Icbm و Slbm الذي كان سمة الرادع النووي الاميركي لعقود. وفي وقت ناقشت الطرق الكفيلة ردم الهوة بين اقتراحين، وذلك خلال الزيارات التي قمت بها الى موسكو في كانون الثاني وشباط، كنت اشعر باننا لن نحرز تقدما في ما يتعلق ب"ستارت الثاني" ما لم نحل اولا مشكلة انتشار السلاح النووي مع كل من اوكرانيا وكازاخستان وروسيا البيضاء. فرغم ان الدول الاعضاء في الكومنولث قامت في 30 كانون الاول بالتوقيع على اتفاق خاص بالقوات الاستراتيجية، اصبح من الواضح في شهر اذار ان الخلافات السياسية بين روسيا واوكرانيا وكازاخستان سرعان ما جعلت ذلك الاتفاق بلا معنى. فقد كان الشجار محتدما بين الروس والاوكرانيين حول التصرف باسطول البحر الاسود. كما ان الرئيس الاوكراني كرافتشوك طلب من جميع العسكريين المتمركزين في اوكرانيا ان يقسموا يمين الولاء لدولته. وفي 12 اذار اوقف كرافتشوك حركة نقل الاسلحة النووية التكتيكية من اوكرانيا الى روسيا نهائيا. في 18 اذار، اي قبل موعد انعقاد قمة الكومنولث بيومين، التقيت للمرة الاولى السفير الروسي فلاديمير لوكين الذي اخبرني ان وكلاء وزارات الخارجية في الدول الاربع، عقدوا اجتماعا توصلوا خلاله الى اتفاق يسمح لنا بتطبيق بنود معاهدة ستارت Start. هذا رغم ان المرء، على حد تعبير لوكين "لا يستطيع ان يكون على يقين مع اخوتنا الاوكرانيين". واما بالنسبة الى "ستارت الثاني" فقال لوكين ان "ثمة حاجة الى تجنب المؤثرات السلبية هنا وفي روسيا. ذلك ان يلتسين لا يستطيع ان يعطي انطباعا مفاده انه يقوم بتفكيك كل شيء" ولكن بصرف النظر عن الاتفاق الذي امكن التوصل اليه على مستوى وكلاء الوزارات، فان من الواضح انه لم يجد طريقه الى رؤساء الدول. وقد انفضت قمة دول الكومنولث بتبادل الشتائم ومن دون ان يناقش المشاركون المسائل التي تتعلق بالشؤون النووية. والحال انه اصبح من الواضح بالنسبة الي ان علينا ان نتولى بأنفسنا ايجاد الحلول لمشكلات الدول الاربع، والا فاننا مهددون بخسارة معاهدة "ستارت" نفسها....
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم