الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"أعمى يقود أعمى"... كيف يواجه السياسيون الألمان حزب "البديل"؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

كشفت مقابلات أجرتها "وكالة الصحافة الفرنسيّة" عمق الانقسام في المجتمع المحلّي حيث تستغرب إحدى السيّدات موجة الخوف من المهاجرين داخل المدينة متسائلة: "أجانب؟ ليس لدينا الكثير منهم هنا"، بينما ردّ عليها رجل أربعينيّ قائلاً: "لو كان الضحيّة ابنك لما كان هذا موقفك". ويوم السبت، نظّم محتجّون من اليمين المتطرف مظاهرة حشدوا خلالها حوالي 8000 شخص فيما واجهتهم مظاهرة مضادّة انضم إليها حوالي 3000 متظاهر. وسقط 18 جريحاً بسبب الاصطدامات من بينهم ثلاثة عناصر من الشرطة.


من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار

ليس اليمين المتطرّف ممثّلاً بشكل أساسيّ بحزب "البديل لأجل ألمانيا" التيّار السياسيّ الوحيد المناوئ لسياسات ميركل في هذا الملفّ. فحزب "الاتحاد الاجتماعيّ المسيحي"، الحليف الأساسيّ ل "الاتّحاد الديموقراطيّ المسيحيّ" الذي تتزعّمه المستشارة الألمانيّة، أبدى نظرة مشابهة إلى الموضوع. فقد كانت السياسة تجاه اللاجئين سبباً أساسيّاً للخلاف الذي كاد يطيح بالائتلاف الحكوميّ. فمنذ حوالي ثلاثة أشهر، هدّد زعيم "الاتّحاد" الذي يشغل منصب وزير الداخليّة هورست زيهوفر بالاستقالة إذا لم توافق ميركل على خطّته حول سياسة اللجوء. ويوم غد الثلاثاء، من المتوقّع أن تطلق ساره فاغنكنيخت، الرئيسة المشاركة لحزب "دي لينكه" اليساريّ الراديكاليّ حركة "انهضوا" التي تهدف في أحد أوجهها إلى انتهاج سياسة لجوء متشدّدة.



لم يكن اليسار الراديكاليّ وحده من دعا الألمان إلى "النهوض". وزير الخارجيّة هايكو ماس حثّ "الأغلبيّة الصامتة" على "النهوض عن الأرائك" والتحدّث بصوت مرتفع. وفي حديث مع صحيفة "بيلد أم زونتاغ" قال: "يجب علينا جميعاً إظهار للعالم أنّنا نحن الديموقراطيّين (نشكّل) الغالبية والعنصريّين هم الأقلّيّة".


ما قبل وصول "البديل" ... وما بعده

بغضّ النظر عمّا إذا كانت هذه الحركة تمثّل توجّهاً حقيقيّاً لأفكار مؤسّستها أو التفافاً على قدرة اليمين الألمانيّ في استقطاب المناصرين على حساب اليسار، تبدو التحدّيات كبيرة أمام ميركل التي بالكاد تتخطّى أزمة سياسيّة حتى تواجه أخرى خلال ولايتها الرابعة. بدأت مشكلتها منذ سنة تقريباً مع إيصال الانتخابات التشريعيّة حزب "البديل" إلى البوندستاغ الألمانيّ. لكنّ البعض يرى أنّ هذا الحدث كان نتيجة لا سبباً لمشكلة ميركل وأنّ هذه النتيجة تضاعفت سلبيّاتها مرّة أخرى بسبب سياسات ميركل اللاحقة، والتي لا ترتبط فقط بالنظرة إلى ملفّ اللجوء.



في 24 شباط الماضي، أبدى فريدريك إريكسون في مجلة "ذا سبكتايتور" البريطانيّة تشاؤماً تجاه مستقبل المستشارة الألمانيّة. استشهد في بداية مقاله بما كتبه الروائيّ الأميركيّ إرنست همينغواي عن أنّ الإفلاس يحصل بطريقتين: تدريجيّة ثمّ فجائيّة. وأضاف إريكسون أنّ ميركل ستبدأ بالخوف من أنّ مسيرتها توشك على الانتقال إلى المرحلة الثانية من توقّع همينغواي. حين توافقت ميركل مع الحزب الديموقراطي الاجتماعي على تشكي ائتلاف حكوميّ، قال أحد النوّاب الألمان المؤيّدين لها في حديث مع المجلّة نفسها: إنّه الأعمى يقود الأعمى". يرى الكاتب أنّ التحالف بين الحزبين لم يكن مبنيّاً على مبدأ تنظيميّ وأنّ كلا طرفيه لم يكن مؤمناً بأنّ هذا التحالف قادر على إنقاذ #ألمانيا لكنّه كان ضروريّاً لمواجهة "البديل". وأضاف أنّها من خلال مشروعها بنقل حزبها إلى اليسار وإلغاء معظم تقاليده المحافظة ساهمت أكثر من غيرها بخلق المساحة السياسيّة التي يملؤها "البديل".


انتقاد من زاوية أخرى

يجسّد إريكسون نموذجاً للمحلّلين الذين يلقون اللوم على ميركل لمساهمتها في التمهيد لنشوء اليمين المتطرّف داخل ألمانيا، علماً أنّ اتهام إريكسون كان مباشراً في هذا المجال. بالمقابل، يرى مراقبون آخرون أنّ الأوضاع في #ألمانيا قد تكون ذاهبة باتّجاه الأسوأ ليس بسبب ميركل بل بسبب خطاب التيار السياسي السائد بمجمله في ألمانيا.

منذ أربعة أيّام تذكّرت الكاتبة السياسية في صحيفة "تاز" الألمانيّة دوريس أكراب حادثة إحراق النازيّين الجدد مبنى يقطنه فيتناميون في روستوك سنة 1992. تعترف الكاتبة في صحيفة "الغارديان" أنّها ظنّت المجتمع يسير قدماً منذ ذلك الحين، قبل أن تكتب: "الآن أخشى أنّنا في الواقع نرجع إلى الخلف". وجدت أكراب التي تنحدر من يوغوسلافيا أنّ المشكلة تكمن في سياسات التطمين التي يعتمدها السياسيون تجاه اليمين المتطرّف، بمجرّد أن يعترفوا ب "الخوف" الذي يشعر به مؤيّدو "البديل" وغيرهم. وكانت تشير إلى بيان صادر عن الاتحاد الديموقراطيّ المسيحيّ في مقاطعة ساكسونيا.


خيار طويل المدى

رؤية أكراب لم تنطلق من حادثة واحدة. في الواقع، لا يمكن مقاربة سياسات زيهوفر واليسار الألمانيّ بعيداً عن كونها محاولات لإيجاد حلّ وسط بين سياسات ميركل واليمين المتطرّف. وهذا يعني فعلاً أنّ معظم التيّار السياسيّ السائد في ألمانيا يلجأ إلى الخطابات التطمينيّة. فالأحزاب الألمانيّة بمختلف تلاوينها تحاول تفادي خسارة مزيد من الأصوات لصالح "البديل"، وهذا يعني أنّ السياسات المتبنّاة في هذا الإطار ستمتدّ على مدى سنوات لضمان الفوز في الاستحقاقات الانتخابيّة.



صحيح أنّ ميركل لا تزال تحتفظ بنبرة واضحة ضدّ اليمين المتطرّف وقد استنكرت ظاهرة "الكراهية في الشارع" و "مطاردة" اللاجئين وفقاً لتعبيرها في إدانة أعمال العنف التي شنّها مناصرو "البديل". لكن بالمقابل، هل ستملك غير الكلمات لتواجه السياسات التطمينيّة الجديدة التي ينتهجها حلفاؤها وخصومها تجاه اليمين المتطرّف؟









الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم