الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

أرمينيا المسيحيّة حكاية انبعاث أمّة: جلسة مع كبير الأساقفة ودرس في الصمود

المصدر: "النهار"
هالة حمصي
هالة حمصي
أرمينيا المسيحيّة حكاية انبعاث أمّة: جلسة مع كبير الأساقفة ودرس في الصمود
أرمينيا المسيحيّة حكاية انبعاث أمّة: جلسة مع كبير الأساقفة ودرس في الصمود
A+ A-

شهادة من تلك الارض المتجددة التي هزمت الموت. "في ارمينيا، نشهد انبعاثا حقيقيا للايمان المسيحي"، وهو أمر يسعد جدا المسؤول عن العلاقات الخارجية والبروتوكول في الكنيسة الارمينية الارثوذكسية في ارمينيا رئيس الاساقفة ناثان. "يمكن القول ان كنيستنا، وهي احدى اقدم الكنائس المسيحية، قد تكون اليوم، من خلال عدد مؤمنيها وكهنتها، احدى اكثر الكنائس شبابا".


جلسة مع رئيس الاساقفة ناثان، ودرس في تاريخ الأرمن وصمودهم وعنادهم. تاريخ "قديم جدا" لشعب وكنيسة بعمر أرض خصبة، اول بلد في العالم اتخذ المسيحية ديانة له (301). والخلاصة الاولية عبرة ان "مسيرة الكنيسة الارمينية ومصيرها مثال لاعجوبة الهية، اعجوبة في الايمان"، على قوله. يفتح الجروح الارمينية تجاه اللاعدالة والاضطهاد، ويصارح بالكثير، موجها رسالة الى العالم. "فقط معا... نغيّر".  



خسائر وتحديات 

اولا، الكنيسة في #ارمينيا في "وضع جيد" حاليا، بتعبيره. يلتفت الى الماضي القريب، ويقف عند محطة غيّرت وجه الأمّة: "ابادة الارمن" خلال القرن العشرين. "خلال هذه الابادة، تكبدت الكنيسة الارمينية خسائر كبيرة جدا، وخسرت آلاف الكنائس، مؤمنين وصروحا. خسرت ايضا آلافا من رجال الاكليروس، واساقفة وكهنة ورؤساء اساقفة قُتِلوا او هُجِّروا"، على ما يقول.   

ضربة جديدة أخرى، موجعة. "بعد الابادة، وقعت ارمينيا تحت سيطرة الشيوعية، كمنطقة خاضعة للاتحاد السوفياتي. وحصلت ايضا اضطهادات وصعوبات جديدة"، على ما يضيف. خلال هذه الحقبة، "صمدت الكنيسة في ارمينيا، في شكل محدود جدا. والشكر لله انها لم تقفل، وكانت تعمل ولكن بطريقة محدودة جدا".  

اعوام صعبة انتهت بانهيار الاتحاد السوفياتي، ونيل ارمينيا استقلالها عام 1991. "بهذا الاستقلال، واجهت البلاد تحديات جديدة، وحقبة جديدة للكنيسة الارمينية". ويصارح رئيس الاساقفة ان "صعوبات كثيرة، اقتصادية وسياسية، عاناها الارمن خلال الاعوام الـ28 الماضية، لكن لدينا ديموقراطية حاليا، وبلد يمكن ان تكون فيه الكنيسة حرة وتحقق مهمتها الرسولية بالكامل".  


يقرأ في مسيرة ارمينيا "تحديات جديدة"، ولكن ايضا "تجديد الكنيسة واعادة بنائها"، مع تصميم على "بناء كنائس جديدة، وترميم المتضررة منها، واستعادة كل الصروح التي خسرتها". وتبقى "تنشئة رجال دين جدد لها" في طليعة الاهتمامات. لمحة سريعة تعكس الوضع. "حاليا، تضمّ الاكليريكية الرئيسية 120 طالباً في الكهنوت، وتؤمّن دروسا خاصة للكهنة المتزوجين، تمتد على سنتين او 3 سنوات. وفي اكليريكية سيفان، لدينا 80 طالبا. كذلك، لدى الكنيسة مدارس خاصة، بمثابة ثانويات برعايتها، وتتمركز في اديرة، وتضم طلابا يافعين يتم تعريفهم، عبر دروس خاصة، الى الكنيسة وعقائدها وتقاليدها. وهؤلاء هم الطلاب المستقبليون في اكليريكيات الكنيسة...". احدى هذه المدارس تقع قرب المقر الرئيسي للكنيسة في اتشميادزين، و"تضم حاليا نحو 600 طالب"، وتتمتع "ببناء جديد، عصري، حديث".   


خلال الأعوام الـ18 او الـ19 الماضية، رسمت الكنيسة "نحو 350 كاهنا جديدا". "هذا الرقم جيد، لكنه ليس كافيا، لان الحاجات تستوجب عددا اكبر من الكهنة لتلبيتها"، على قوله. ايا يكن، فان هذا العدد يرسم ملامح كنيسة تنتعش، تستعيد حياتها وناسها وقوتها. "في ارمينيا، نشهد انبعاثا حقيقيا للايمان. وانا سعيد للغاية بان الكنيسة تمتلىء بشباب يأتون اليها، ليس كمتفرجين او زوار، بل كمؤمنين حقيقيين، ابناء ايمان حقيقيين. لذلك، يمكن القول ان الكنيسة الارمينية، احدى اقدم الكنائس المسيحية، قد تكون اليوم، من خلال عدد مؤمنيها وكهنتها، احدى اكثر الكنائس شبابا. وهذه سعادة كبيرة، لانه لا يمكن ان تكون هناك كنيسة من دون شباب. ولا يمكن ان يكون هناك شباب من دون كنيسة، على قول بابا الكنيسة القبطية الارثوذكسية الانبا شنودة الثالث الراحل". ويتدارك: "هذا هو الواقع في ارمينيا".  

العدالة  

كنيسة قائمة من حقبات "الموت"، مستعيدةً شبابها، مناضلة من اجل شعبها وقضاياه، اولها "الابادة الارمينية". نسـأل رئيس الاساقفة عن شعور الكنيسة تجاه اي نقص في تحقيق العدالة للارمن بهذا الخصوص، ويجيب: "اولا، عدم اعتراف كل دول، لا سيما الديموقراطية والكبيرة منها، بالابادة الارمينية، مثال صارخ على اننا نحتاج الى عدالة أكثر. ثانيا، عواقب هذه الابادة هائلة، بحيث ان مئة سنة ليست شيئا لعلاج هذا الالم".


والألم "حقيقي"، بتعبيره. يذهب الى ابعد من الحدود الارمينية، و"لسوء الحظ نواجه حاليا، في اماكن اخرى، ابادات جديدة". بالنسبة الى الكنيسة الارمينية، "الاعتراف بالابادة الارمينية يعني منع جرائم مماثلة في العالم. لذلك سنبقى نطالب دائما بالاعتراف، ليس بالابادة الارمينية فحسب، انما ايضا بكل الابادات الاخرى التي نشهدها". ويتدارك: "انه تحد كبير للانسانية. ولسوء الحظ، ليست ربما كل البلدان او الشعوب متحدة معاً في مواجهة هذه الجرائم".   


واقع يدرك رئيس الاساقفة ابعاده واثقاله. ويوجه رسالة ملحة الى العالم. "فقط معا، يمكن الانسانية ان تمنع جرائم مماثلة. فقط معا. وعلينا القيام بذلك، خصوصا المسيحيين، كما المسلمين، لان المؤمن الحقيقي لا يمكن ان يقتل انسانا آخر ابدا".  

كيف يمكن المسيحيين الشرقيين في الكنائس الشرقية في الشرق الاوسط، ان يساعدوا في هذا الشأن؟ يجيب: "اولا، يجب ان نفهم ان مساعدة الآخر في الحصول على العدالة يعني ان نساعد انفسنا في تحقيقها لنا. ونحن نحتاج الى ذلك. ولسوء الحظ، هناك نقص في العدالة في كل مكان. كل شخص، خصوصا في الشرق الاوسط، يحتاج الى هذه العدالة".   


خسارة مسيحيي الشرق 

مسيحيون مضطهدون في بلدانهم الشرق اوسطية، نازحون، مهددون، خائفون... والموقف حازم. العدالة هي "لكل شخص"، على ما يشدد ناثان. في رأيه، "من الضروري دعم المسيحيين المضطهدين، المحتاجين، اكانوا في العراق ام سوريا ام بيت لحم، ام في اي مكان آخر. هذا واجبنا. ان يكون المرء مسيحيا يعني ايضا ان يصلي من اجل الآخر، من أجل بعضنا البعض. والصلاة تعني المحبة. واجبنا اذاً المحبة. وعلينا ان نحب بعضنا البعض، كما يحبنا الآب السماوي، بلا حدود".

أحوال مسيحيي الشرق يتابعها رئيس الاساقفة باهتمام مقرون بقلق ازاء "تراجع اعدادهم وخسارتهم". "نخسرهم حاليا لسوء الحظ، بسبب الاوضاع السياسية احيانا، واحيانا اخرى لان الإيمان اصبح اداة للاضطهاد، سلاحا في اللعبة السياسية. في هذه الحال، لا سيما في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، نخسر المسيحيين، ونراهم يهربون. وبات هناك لاجئون كثر منهم، الى جانب لاجئين من انتماءات اخرى. انها مشكلة كبيرة للانسانية اولا، لان كل لاجىء هو انسان خلقه الله".  


تجاه هذا الواقع المضطرب، ثمة حاجة، في رأيه، الى "تغيير الوضع السياسي". كيف؟ "مجددا، فقط معا، بنية طيبة تجاه بعضنا البعض"، على ما يضيف.    


معاً. العمل يدا بيد يروق لرئيس الاساقفة ناثان. مع احياء الذكرى الاربعين للحوار المسكوني بين الكاثوليك والارثوذكس السنة المقبلة، يبقى "متفائلا، لا سيما تجاه اي مشكلة نواجهها". في الحركة المكسونية "المتنامية"، بتعبيره، تبدي "الكنيسة الارمينية مسكونية وانفتاحا كبيرين" على بقية الكنائس. احد الامثلة المستحضرة سريعا، استقبال الكنيسة وفودا كنسية من مختلف الكنائس، منها وفد من مجلس رؤساء الكنائس الشرقية الرسولية في أوستراليا ونيوزيلاندا وممثلين لها في اواخر حزيران الماضي. الكلمة المفتاح التي يشدد على اهميتها، "المحبة". 


دروس التاريخ يتوّجها رئيس الاساقفة ناثان بـ"عبرة يقدمها الشعب الارميني الى العالم عبر نضاله. وهي ان مسيرة الكنيسة الارمينية ومصيرها مثال لاعجوبة الهية، اعجوبة في الايمان". ويتدارك: "تمسكوا بالله وابقوا معه، وسترون طرقكم الخاصة تتحقق".     

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم