الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

تهميش المسيحيين في الجامعة اللبنانيّة

مشير باسيل عون
Bookmark
A+ A-
تردّدتُ قبل الشروع في كتابة هذا المقال لأنّ النقاش الناشط في شأن الجامعة اللبنانيّة سلك مسالك خطيرة أضحى الكلام فيها معرَّضًا للانحراف في التفسير والتحامل على المقاصد. في نهاية المطاف عقدتُ العزم على الإفصاح عمّا أستنسبه من تفكّر فلسفيّ مسؤول، علَّ الإسهام الفكريّ النزيه يرتقي بالنقاش إلى المستوى الذي ينبغي أن يرنو إليه. في مقصدي أن أضع مثل هذا النقاش في سياق التناول الفلسفيّ الأرحب وأقرنه بالتفكّر الرصين في وقائع الاجتماع اللبنانيّ. من الثوابت في قضيّة الجامعة اللبنانيّة أنّ واقعها لا ينفصل عن الواقع اللبنانيّ الراهن، وأنّ النظر في مشاكلها إمّا أن يذهب مذهب الاعتراف والإقرار والعزم على الإصلاح، وإمّا أن ينحو منحى المكابرة والإسقاط الأيديولوجيّ المغرض. من الواضح أنّ جميع الجامعات تتعرّض لانتكاسات وتعثّرات، ويشوب أداءها بعضٌ من التقصير، ويعتورها شيءٌ من الاضطرب المسلكيّ والبنيويّ. غير أنّ مثل هذه المعايب، حين تصيب جامعةً كالجامعة اللبنانيّة، تتفاقم آثارُها لأنّ التركيبة البشريّة فيها منبثقةٌ من صميم الاجتماع اللبنانيّ الفسيفسائيّ. وللمرء أن ينظر إلى الفسيفساء إمّا نظرة إعجاب وامتداح، وإمّا نظرة تقبيح وذمّ. ونحن جميعُنا نعلم أنّ الجامعة اللبنانيّة تكابد من الصعوبات البنيويّة والمسلكيّة ما يوشك أن يرهقها ويصدّها عن الاضطلاع بمسؤوليّتها الأكاديميّة. من بعد التأمّل في طبيعة هذه الصعوبات، تبيّن لي أنّ المشكلة الأخطر التي توشك أن تضعضع بنيان الجامعة اللبنانيّة تكمن في غلوٍّ وانحراف وتراخٍ. أمّا الغلوّ، فهو في الإصرار على إدارة ممركزة حصريّة تفصيليّة مباشرة لمؤسّسة تضمّ حوالى 80000 طالب وطالبة، وحوالى 7000 أستاذ وأستاذة، وحوالى 2000 موظّف وموظّفة. في المنطق الاداري البحت، أضحى مثل هذا التكاثر لا يطيقه نظامُ الإدراة المركزيّة الواحدة. أمّا في المنطق الاجتماعيّ الثقافيّ اللبنانيّ، فإنّ الديموغرافيا الراهنة تضطرّ إدارة الجامعة إلى تجاوز أعراف المناصفة الطائفيّة. والظنّ أنّ معايير الكفاءة العلميّة هي وحدها التي ينبغي أن تُعتمد في الانتماء إلى الجامعة اللبنانيّة. هذا القول يصحّ في المجتمعات الموحّدة، ولا يصحّ على الإطلاق في الاجتماع اللبنانيّ الفسيفسائيّ. وليس يُبطل هذه الفسيفساء اعتمادُ المعايير الأكاديميّة في التوظيف الجامعيّ. هذا إنْ اعترف الجميعُ بأنّ الأساتذة الذين يتعاقدون مع الجامعة اللبنانيّة منذ نهاية الحرب اللبنانيّة هم في أغلبهم من أهل الاستحقاق العلميّ الوطيد. النتيجة الوحيدة لاعتماد المعايير الأكاديميّة وحسب هي تهميش المسيحيّين في الجامعة اللبنانيّة لأنّ الاختلال الديموغرافيّ سيُفضي إلى مثل هذا...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم