الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هذيان الثلثاء

جورج موسى
جورج موسى
A+ A-

أحياناً، يبدو مثل شخص محافظ، يميل إلى التزمّت. تراه يحاضر لساعات عن جنون العصر وأسباب موجة التفسّخ الأخلاقي وانحلال القيم بين الشباب. وأحياناً أخرى، تجده يميل إلى دعوة الآخرين لممارسة الجنس بحرية أكبر، "ع راس السطح"، لو أرادوا ذلك. هكذا، ووفق مقاربته الشخصية للأمور، يمكن أن ينخفض منسوب الكبت، وتتراجع حدّة بعض العقد النفسيّة، ويتصالح كثيرون مع أجسادهم، وتندثر مفاهيم بالية تربط الأخلاق بفرج المرأة، وتسيّر الرجل على سكة يرسمها ذاك "العار"ومشتقاته.
كيف يربط الأخلاق بالجنس، ثم ينتقد تلك العقلية السخيفة المقيتة؟ هذا التناقض الرهيب في شخصيته، هو جوهر القضية. وهو أكثر ما يخيفه.


* * *


أحياناً، يبدو هادئاً، يصبو إلى الزهد في الحياة، وإلى عيش حياة النسّاك، واختبار تجاربهم الصعبة. بينما، في أحيان أخرى، يعيش شراهة مخيفة تجاه كل ملّذات الدنيا. يصبح مادياً إلى أبعد الحدود. قد يقترب من الطمع والحسد، ويرغب في حصد الثروات، وفي مخيلته - لتحقيق هدفه - ألف فكرة، مشروعة... وغير مشروعة.


* * *


أحياناً، يكون عطوفاً على المقرّبين وحتى على أشخاص لا يعرفهم. هو يعرف أن "الدنيا غدّارة"، ويعرف أن الإنسان كناية عن مزيج من المشاعر والمبادئ والإقتناعات. تراه يمقت الكذب، ويرفض تغليب كفّة المصلحة على كفّة المبدأ، ويقبل - برضا كبير - أن يخسر أمام هذا الإقتناع. لكنه، في المقابل، قد يصبح فجأة قاسياً حتى على الأحبّاء. قد يتحوّل انتهازياً للحظات ويضرب بالمبدأ عرض الحائط. وكل ذلك قبل أن يندم، وقد يبكي على فعلته بكاء مرّاً.


* * *


أحياناً تجده تقليدياً، وفياً للبيئة التي خرج منها، يهتم بكلام الناس وانتقاداتهم، ويراعي تصرفاته في انتظار شهادة "حسن سلوك" من مجتمع، قد لا يكون جديراً بإعطاء شهادة مماثلة. وأحياناً أخرى، تجده ثائراً على كل التقاليد، لا يبالي بأي مجتمع، ولا يرف له جفن، حتى ولو "قامت القيامة" ضدّه.


* * *


في بعض المناسبات، يحب نفسه كثيراً. يعجب بقدرته على الإنفتاح على الآخرين، وعلى تفهّم وجهة نظرهم المغايرة لإقتناعاته. أحياناً أيضاً، قد يستوعب بشكل كبير، من اختاروا أن يكونوا له أعداء، وقد يشفق عليهم. ووسط كل ذلك، قد تنقلب حاله رأساً على عقب. وحينها، يصبح متطرفاً دوغمائياً، لا يقبل حتى مناقشته بأفكاره، ولو اتضح له لاحقاً أن بعضها خاطئ. هل هي تقلّبات عادية، يمر فيها كل البشر وفق الظروف والحالات، وبحسب ما تقتضيه اللحظة الراهنة؟


* * *


في بعض الأيام، يخيّل إليه أنه يملك كل مفاتيح نفسه الغامضة، ويعرف مكامن قوته وضعفه. يفتخر، مرة في السر، ومرة أخرى في العلن، أنه يستطيع مداواة جراحه، لأنه يدرك كيف يسيطر عليها. ثم فجأة، وأمام حدث صغير، يجد أن ذلك التوازن تخلخل، كورقة تلعب بها الريح. حينها، يرتجف ويضيع ويصبح طفلاً صغيراً، يحتاج إلى من يرشده وينصحه ويهديه الى الطريق.نعم، أحياناً يفقد التوازن. لكنه - في كل أحواله- يملك من الجرأة ما يكفي ليعرّي ذاته أمام الآخرين. وفي هذه النقطة تحديداً، وخصوصاً عندما "يهذي" صباح كل ثلثاء على صفحات "نهارك"، حينها فقط، يستهويه ذلك التناقض الذي يخيفه بقية أيام الأسبوع!


[email protected]
Twitter: @moussa_georges

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم