الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

بعد 13 عاماً على الجريمة حكم بحبس عاملة منزلية 20 عاماً اعترفت بذبح طفلة

المصدر: "النهار"
بعد 13 عاماً على الجريمة حكم بحبس عاملة منزلية 20 عاماً اعترفت بذبح طفلة
بعد 13 عاماً على الجريمة حكم بحبس عاملة منزلية 20 عاماً اعترفت بذبح طفلة
A+ A-

كانت الساعة تشير إلى الثامنة والنصف صباحاً من يوم 16 تشرين الأول 2005. لحظات بشعة وراعبة خيّمت على المنزل. الطفلة فرح صعب كانت تجلس على الكنبة في غرفة الجلوس في منزل خالها في بقعاتا. وطلبت من خالتها رنده أبو عاصي أن تحضر لها كوباً من الحليب والنسكافيه، وما إن وصلت الاخيرة إلى المطبخ لإحضار ما طلبته الطفلة، حتى سمعت صراخ استغاثة صادراً عن الصغيرة، فعادت أدراجها لتجد المساعدة المنزلية الإثيوبية تنهال على الطفلة بطعنات سكين تحمله في يدها، فهبت الخالة للدفاع عنها، إلا أن المتهمة عاجلتها بطعنة على وجهها وبأخرى على ظهرها. وتعالى الصراخ الذي سمعه الجيران، فحضروا وعملوا على نقل جثة الطفلة والخالة إلى المستشفى حيث يعمل والد الضحية. 


حضر الطبيب الشرعي وعاين الجثة واستنتج في تقريره أن المتوفية تعرضت للتعدي بآلة حادة بطعنات عدة في الرأس والرقبة ويدها اليسرى وذراعها وصدرها. وتمكنت القاتلة من رفع رأس الطفلة ونحرها مخترقة القصبة الهوائية، ما أدى إلى الوفاة الفورية، فيما اصيبت الخالة بجرح قطعي كبير في الأنف، وبجرح قطعي في منتصف الخد اخترقه وجروح أخرى في أعلى الوجه والصدر والظهر، ومنحها تعطيلاً لأسبوعين مع التحفظ.


تناقض أسباب الجريمة

واعترفت المساعدة المنزلية بلتو نادي بداني في التحقيق الأولي صراحة بذبحها الطفلة فرح صعب من الوريد إلى الوريد اثناء وجودها في منزل مخدوميها حيث كانت الطفلة وخالتها، عندما أقبلت إلى غرفة الجلوس وأخذت كوباً من أمامها حينما نعتتها الطفلة بالمجنونة، ووجهت لها حركات صبيانية. إثر ذلك ذهبت إلى الصالون وأحضرت سكيناً من الحجم الكبير ذي قبضة سوداء من داخل جارور الخزانة ومعكوف عند طرفه، وأقدمت على ذبح الصغيرة فرح التي راحت تصرخ. كما قامت بطعنها طعنات عدة في وجهها وجسمها، وما لبثت أن حضرت خالة الطفلة رنده التي كانت في غرفة مجاورة وحاولت منعها من طعن الصغيرة، فما كان منها إلا أن طعنت رنده أيضاً بالسكين في وجهها وظهرها. بعد ذلك رمت السكين في غرفة الجلوس وتوجهت إلى النافذة محاولة الانتحار برمي نفسها، زاعمة أن الخالة كانت تؤنبها، وأن الطفلة كانت تشير على رقبتها بالذبح بحركات استفزازية في معظم الأحيان.

وفي التحقيق الاستنطاقي كررت الموقوفة اعترافها بقتل الطفلة طعناً وذبحاً عندما حضرت الأخيرة إلى المطبخ حيث كانت المتهمة. وردت سبب اقترافها الجريمة إلى أن الصغيرة أنبتها لأنها لا تعمل شيئاً وقرصتها في خدها وأذنها، فغضبت المتهمة ودخلت إلى الصالون وفكرت في أن تقتل نفسها وتقتل أهل البيت. وسحبت السكين من غلافه الذي وضعته في الغسالة الموجودة في الحمام، وخبأت السكين تحت سترتها، وعقدت العزم على قتل فرح لأنها يمكن أن تقاومها، وتوجهت إلى غرفة الجلوس وشاهدتها تشرب النسكافيه في الكوب المخصص للخادمة، وأبلغتها أن الكوب عائد لها وستستبدله بكوب آخر، فرفضت فرح من دون أن تهينها أو تشتمها أو تضربها. عندها إقتربت المتهمة منها وأقدمت على طعنها. وعندما هبت خالتها رنده لنجدتها ممسكة بكتف الجانية وثيابها وإبعادها عن الصغيرة، باشرت بطعن رنده التي سقطت أرضاً. عندها غادرت المساعدة المنزلية غرفة الجلوس نحو باب البيت المفتوح غير مدركة إن كانت تريد الهرب أو الانتحار. وفوجئت بالجيران يحضرون بعد سماعهم الصراخ، عندها عادت من جديد إلى غرفة الجلوس ونحرت الطفلة ثم حاولت الانتحار برمي نفسها من نافذة غرفتها في الطبقة الثانية، لكن مخدومتها عواطف منعتها. وغيرت في الأسباب التي حدت بها إلى قتل نفسها أو قتل أهل المنزل لأنها تعاني منذ أسبوع من ألم في الرأس ولم تعطها مخدومتها الدواء. وقبل ثلاثة أيام من حصول الجريمة أبلغت الاخيرة أنها تريد العودة إلى بلادها لأنها اشتاقت إلى والدتها، وكون والدها توفي بعد ستة أشهر من قدومها إلى لبنان، وباعتبار انها وقّعت عقد العمل المحدد بسنتين و45 يوماً، لكن مخدومتها رفضت، مشيرة إلى أن الشيطان لعب بعقلها وقررت القتل واختارت الطفلة للانتقام من أهل البيت، لأنها الأضعف بينهم ويمكن السيطرة عليها.


ونفيها من الادعاء الشخصي


إتخذ والد الصغيرة عصمت صعب صفة الادعاء الشخصي في حق المساعدة المنزلية. ومثله فعلت خالة الضحية رنده صعب بجرم محاولة قتلها طعناً. وهي ذكرت في التحقيق أنها لم تستعمل كوب المتهمة عندما سكبت النسكافيه لفرح. وأضافت أن موضوع عودة المساعدة المنزلية إلى بلادها لم يُطرح إلا قبل يومين أو ثلاثة أيام من الحادث، ولم يمانع أحد من مخدوميها عودتها إلى بلادها، إلا أن المتهمة كانت مترددة ولم تستقر على رأي واحد، وكانت خلال الأيام الثلاثة قبل الجريمة متجهّمة الوجه.

وأمام محكمة الجنايات ردت سبب ارتكابها الجريمة إلى مشكل بينها وبين المدعية رنده ابو عاصي، وأنها لم تقرر قتل الطفلة والجريمة كانت وليدة ساعتها بعد أن صرخت بوجهها المدعية، ومانع مخدوموها عودتها إلى بلادها، وكانت مريضة ومتوترة لا تستطيع النوم. عام 2007 وبتكليف من محكمة الجنايات عاين الطبيب النفسي انطوان سعد المتهمة، وأشار في تقريره إلى أن المتهمة لا تعاني من مرض عقلي أو نفسي مزمن، غير أن ذلك لا يتعارض مع ظهور أي حالة مرضية نفسية حادة عابرة قد تظهر عند تعرض صاحبها إلى ضغط عقلي أو عصبي أو نفسي شديد يفوق قدرة المعني على إدارتها، ما يجعله عاجزاً عن إدراك اعماله بشكل واع أو مسؤول. والفشل في السيطرة على الجهاز العصبي قد يظهر من خلال حالات مرضية تتمثل بذهان حاد واضطراب السيطرة على الانفعال واضطراب التأقلم نتيجة الضغط القلقي والتوتر الحاد. ورجّح أن تكون تعرّضت لعوارض حادة كحالة ذهان غير واضحة الأسباب. وعرض أن المتهمة تتناول دواءين، واحد مثبّت للمزاج وآخر مضاد للذهان.

وفيما أفادت المتهمة أمام محكمة التمييز الجزائية أنها لا تذكر إن كانت أقدمت على قتل الطفلة ومحاولة قتل خالتها. نفى الطبيب النفسي إياه إمكانية الجزم من خلال الأدوية الموصوفة للمتهمة إن كانت تعاني حالة ذهان مزمنة قبل عام 2007. ولاقى صعوبة في الإجابة بصورة علمية دقيقة عن حالة المتهمة، وما إذا كانت ناتجة من مرض عقلي الذهان أو من ظروف بيئية واجتماعية مرتبطة بالثقافة الاجتماعية. وبمعاينة الطبيب شوقي مراد المتهمة عام 2017 في إطار الفحوص الدورية للسجينات أفاد المحكمة أنه لم يلاحظ عليها أي عوارض مرضية عقلية كالهلوسات أو الأوهام، باستثناء عدم الرغبة في الكلام، مشيراً إلى أن الأمراض الذهانية العابرة التي تصيب المهاجرين وتتبدى على شكل أوهام أو هلوسات وجدانية أو اضطرابات وجدانية، لا تتعدى الشهر، وقد تصل في حدها الأقصى إلى ستة أشهر، موضحاً أن المتهمة التي يعاينها منذ عام تتناول دواء منظّماً للمزاج ولا يتعلق بالأمراض المزمنة الذهانية.


إنعدام تأهيل العاملات المنزليات


مناسبة الكلام بعد 13 عاماً على حصول هذه الجريمة، هو صدور الحكم عن محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضية كارول غنطوس وعضوية المستشارتين القاضيتين المنتدبة كارلا قسيس والمكلفة إيمان عبدالله. وقضى هذا الحكم المبرم بتجريم المتهمة المساعدة المنزلية بجناية القتل عمدا وإنزال عقوبة الإعدام بها، وتخفيف هذه العقوبة إلى الحبس 20 عاماً سنداً إلى المادة 253 في قانون العقوبات، بعدما كانت محكمة الجنايات حكمت عليها بالحبس المؤبد. كما دانتها بمحاولة قتل المدعية رنده أبو عاصي. وقررت المحكمة طردها نهائياً من لبنان فور إنفاذ عقوبتها. وألزمتها أن تدفع للمدعي والد الطفلة عصمت صعب 150 مليون ليرة تعويضاً، وللمدعية رنده أبو عاصي 50 مليون ليرة تعويضاً. ولفت في حيثيات الحكم منح المتهمة الأسباب المخففة "نظراً إلى ظروف الدعوى وما يشوب إستقدام العاملات الاجنبيات للخدمة المنزلية في لبنان من انعدام التأهيل النفسي والعملي لهن، معتبرة، بالاستناد إلى إفادة الأطباء المستمعين والتقارير المبرزة في الملف، أن المتهمة غير مصابة بمرض عقلي أو نفسي، وانتفاء إصابتها بمرض الذهان المزمن أو العابر الذي يصيب المهاجرين وخصوصاً انه كان مضى على وجودها في لبنان حوالى 20 شهراً.






حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم