الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

سيطر السوفيات على دول آسيا الوسطى الإسلامية من طريق التحريض القومي

المصدر: "النهار"
Bookmark
سيطر السوفيات على دول آسيا الوسطى الإسلامية من طريق التحريض القومي
سيطر السوفيات على دول آسيا الوسطى الإسلامية من طريق التحريض القومي
A+ A-
بعد اللقاء الاول الذي انعقد في الامم المتحدة بين زعماء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن، توجهت الى كمب ديفيد في اول شباط لحضور الاجتماع المقرر بين بوش ويلتسين، ولما كانت هذه "زيارة عمل" يقوم بها الرئيس الروسي (لا زيارة رسمية بالمعنى الكامل) فقد شعر الرئيس بوش بان من الافضل ان تجرى اللقاءات في شكل رسمي في جو كمب ديفيد الريفي. وكما هو شأن لقاء وايومنغ مع شيفاردنادزه الذي انعقد في عام 1989، واللقاء الآخر مع ميخائيل غورباتشيوف الذي اانعقد في كمب ديفيد في عام 1990، فقد كان الرئيس يأمل في ان يؤدي الخروج من واشنطن الى حوار اشد انفتاحا وخاليا من الرسميات. والحال ان يلتسين كان يبدو مرتاحا، ولكن على نحو يذكر بلاعب كرة السلة الذي يستعد لمباراة البطولة. كان مستعدا ومتمرسا باصول اللعبة. وقد افتتح الرئيس الروسي الذي كان مرة اخرى يتحدث دون دفتر ملاحظات، الكلام بمناقشة الاصلاحات الاقتصادية. (كان هذا الموضوع يدعو الى الترحيب نظرا الى انه كان غائبا عن محادثاتنا في موسكو). قال: "لقد تأخرنا خمس سنوات عن لحظة البدء"، ذلك لان الاصلاح الحقيقي "لم يصبح ممكنا الا بعد انهيار الامبراطورية والايديولوجيا الشيوعية". وقد حاجج يلتسين قائلا ان روسيا "لديها برنامجا واضحا" سبق ان اطلقته عندما حررت الاسعار في 2 كانون الثاني. وقد اعترف بنقاط القصور التي ينطوي عليها النهج الذي تنهجه موسكو، مشيرا الى انها لم تكن تتبع "خطة كلاسيكية"، نظرا الى انها لم تمتلك الوقت اللازم لتبني الاصلاحات في مجالي المصارف والضرائب والمجالات الاخرى قبل ان تسمح للاسعار بالارتفاع. وعلى رغم "الاوقات الصعبة" التي شهدتها البلاد منذ ارتفاع الاسعار فقد كان قلقا اكثر على اشهر شباط واذار ونيسان التي قال انها ستكون اشهرا "حرجة". واضاف: "اننا نأمل في ان يتمكن الناس من الاحتمال. ذلك انه في حال فشل الاصلاحات فان القوى التي تشغل سدة الحكم حاليا سيتم استبدالها بقوى محافظة بصقور سيرفضونها. وهذا معناه ان تصبح لدينا دولة بوليسية تمارس القمع وان يعاود سباق التسلح. وسيكون في ذلك ضياع مليارات الدولارات للولايات المتحدة، الامر الذي سيؤثر على العالم باكمله". (لاحظ ان فريقه الذي يقوده يغور غايدار، وهو شاب لكنه موهوب. قال: "على الرئيس ان يحمي هذا الفريق من النقد في مجلس السوفيات الاعلى وفي اماكن اخرى. ولولا حماية الرئيس لالتهمت الذئاب غايدار"). واصر يلتسين على ان الغذاء همه الرئيسي. قال: "اشكركم على الشحنات الجوية". ولكنه اضاف ملاحظة مفهومة: "ان المرء لا يستطيع اطعام روسيا بهذه الكميات". وبين ان هذا الهدف يتطلب استنفار جهود عشرات الدول، فضلا عن تطلبه "حركة نقل شاملة" من جميع انحاء العالم كما وجه الشكر الى الرئيس على مؤتمر التنسيق، موضحا انه كان يمثل خطوة ايجابية في الاتجاه الصحيح. واضاف يلتسين، بعدما انحرف بالحديث الى السياسة: "ان علاقة التعاون بيننا بطيئة الحركة حتى الآن. وانا اتحدث هنا عن الاشهر السبعة الاخيرة. فتلك فترة لم تكونوا تعرفون خلالها مع من ستتعاملون "بين غورباتشيوف وروسيا". وشعر بان التحرك نحو الكومنولث: "صحيح ولا محيص عنه. فعندما انهار الاتحاد السوفياتي كانت الدول ستتجه في اتجاهات مختلفة لولا وجود الكومنولث. كان معنى ذلك ان تكون هناك اربع دول نووية فضلا عن تقسيم الجيش اجزاء". وعلى رغم ان الكومنولث ما زال شابا - اخبرني في موسكو انه كان طفلا قابلا للعطب - فقد كان فاعلا من حيث تقليل عدد النزاعات بين الجمهوريات. قال مؤكدا: "لن نسمح بنشوء نزاعات بيننا وبين اوكرانيا. اننا نحاول ان نكون متساهلين والا نستهين باوكرانيا". (لاحظ يلتسين بعد ذلك وجود 11 مليون روسي في اوكرانيا وقال: "لا اعتقد ان اوكرانيا ستلجأ الى القيام بانعطافات حادة نتيجة لهذه الحقيقة". اضاف ان اوكرانيا هي "عنصر الاستقرار الرئيسي". ولكنه اصر على وجود علاقات شخصية طيبة بينه وبين كرافتشوك: "اتحدث اليه هاتفيا باستمرار". وما ان اشار يلتسين الى هذا حتى هز الماريشال شابوشنيكوف برأسه. واضاف يلتسين: "روسيا ليست لديها اطماع امبريالية ولا ترغب في السيطرة على احد. اننا نريد ان نكون متساوين في الكومنولث. وكل اجتماع لرؤساء دولة يؤكد هذا الامر. غير اننا لا نستطيع ان نجعل الموقف مثالثا. فالطفل عمره شهران فقط. وعلينا ان نعنى به وان نحاذر سقوطه على الارض". ثم انتقل يلتسين الى مسائل تتعلق بالاسلحة النووية، وهي الموضوع الذي انفق معظم وقته في الاعداد له على ما يبدو. قال: "ان زر شن الحرب هو تحت سيطرتي اولا، ثم المارشال شابوشنيكوف ثانيا. واما رؤساء الدول الاربع فهم يتمتعون بصلات فورية ومباشرة. اذا حدث شيء، لا سمح الله، فان في امكاننا ان نتحدث على الفور. وانا ملزم ان اتصرف، كذلك الماريشال شابوشنيكوف. ومن الناحية التقنية ليس في امكان الآخرين السيطرة على الاسلحة النووية هذا مستحيل. وعلى رغم ان شيئا في خلفيته لم يكن يوحي بانه يمتلك قدرة او اهتماما خاصا بموضوع الحد من الاسلحة، فقد تطرق يلتسين الى كل التفاصيل التي يتصورها العقل، كأنه يريد عرض معرفته به... او قل، وهذا اهم، كأنه يريد البرهنة على جديته. وبعدما وصل في عرضه الى حد وصف كيفية تحويل البلوتونيوم 239 والاورانيوم 236 الى "كعك" قابل للاستعمالات المدنية في محطات الطاقة النووية، تساءل بمرح: "هل ابدو خبيرا؟". ولعل اهتمامه الكبير كان منصبا على انتشار السلاح، وعلى الخطر الذي يمثله الجنوب قال: "صدام حسين ليس في وضع يؤهله لسرقة رأس نووي من قمة صاروخ. ولكن البلوتونيوم والاورانيوم يمكن اخذهما من منشأة للتخزين. وبهذا يمكنه ابتزاز العالم باكمله". واضاف ان الروس كانوا "يحاولون ازالة الاسلحة التكتيكية النووية من كازاخستان بسرعة، وذلك للحيلولة دون وقوعها في ايد اسلامية". واما بالنسبة الى موضوع "نزف الادمغة" فقد قدمت عرضا لفكرة انشاء المركز العلمي، فوافق يلتسين ان هذه "مسألة اساسية يجب معالجتها" وان علينا ان نعمل معا لتحقيق هذه الفكرة. وقال: "لدينا 2000 خبير نووي. اذا اطلقنا برنامجا مشتركا اصبح في وسعنا ايجاد العمل للكثير من هؤلاء". وعندما حان وقت الغداء تدخل يلتسين قائلا: "هناك مسألة اخيرة: هل ما زلنا اعداء؟". فاجاب الرئيس: "كلا لسنا كذلك". وقدم الى يلتسين المسودة الاخيرة للبيان المشترك الذي ناقشته والرئيس الروسي في موسكو ثم قال: "هذا يبعدنا عن الماضي". كان البيان يعلن عن عهد جديد من علاقات: "الصداقة والشركة" بين الولايات المتحدة وروسيا. كما اعلن نهاية اكثر من سبعين عاما من التنافس. وكان يلتسين يتوق الى اضافة عبارة مفادها ان العلاقة بين البلدين تحولت علاقة بين حلفاء، ولكن الرئيس كان مترددا في المضي بعيدا الى هذا الحد. قال: "اننا نستعمل هذه اللغة الانتقالية لاننا لا نريد ان نتصرف كأن كل مشكلاتنا قد تم حلها". وخلال المؤتمر الصحافي الذي اعقب تناول طعام الغداء اصدر الرئيسان البيان المشترك واعلنا عزمهما على تبادل الزيارات الرسمية قبل نهاية السنة. وكان كل منهما سخيا في ثنائه على الآخر. قال الرئيس: "لقد بدأت روسيا والولايات المتحدة علاقة جديدة عمادها الثقة" فأجاب يلتسين: "من الآن فصاعدا لم نعد نعتبر انفسنا اعداء". في تلك الليلة، توجهنا عائدين الى واشنطن فاستعرضت في خيالي اللقاءات الرئاسية التي سبق ان حضرتها خلال عملي في الحكومة، وادركت كم كانت هذه الجلسة المكثفة مع يلتسين خاصة وتاريخية. فللمرة الاولى يجلس الرئيس المنتخب لروسيا ديموقراطية ومستقلة جنبا الى جنب مع رئيس اميركي. وقد بدأ الرئيسان معا رسم مخطط للتعاون بينهما. فكرت في نفسي: فلنتحدث الآن عما يتجاوز "مرحلة الاحتواء". نحو محطة كيشينيف بعد مضي اكثر من اسبوع على مغادرة يلتسين الولايات المتحدة، غادرت بدوري واشنطن في رحلة استغرقت عشرة ايام قضيتها في الاتحاد السوفياتي السابق، بدءا بمولدوفا التي تقع على حدود رومانيا. مرورا...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم