الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

بلاسيبو

نسب زكريا
بلاسيبو
بلاسيبو
A+ A-

يحكى أنه في السبعينات، اجهتد صيدلاني اسكوتلندي لإدخال مفهومplacebo إلى اللغة الطبية، وهي تعني العلاج بالوهم أو بالإيحاء، أي محاولة شفاء بعض الأمراض أو الأعراض المرضية بتناول دواء لا فعالية كيميائية له! وتعتبر نسبة نجاح البلاسيبو نحو 30% أي أنه إذا تناول تسعة أشخاص قرص بنادول لمعالجة الصداع، فإن ثلاثة منهم سوف يشعرون بتحسن قبل أن يبدأ البنادول بمفعوله الحقيقي... لست أدري لمَ! 

هذه الدراسات والمفاهيم الطبية لا أفهمها جيداً، وهذا ليس مقالاً علمياً، في الحقيقة، ما يجعل 30% من الأشخاص يتجاوبون مع العلاج بالوهم أو الإيحاء هي وجود صلة وصل قوية وعميقة بين العقل والجسم الفيزيائي، لا نعرف كنهها، تقول إن قناعة العقل يمكن أن تؤثر على سلوكنا الجسدي، أو أن الجسم قادر على شفاء ذاته بذاته، عندما فقط يؤمن بذلك.

هذه الفكرة الفلسفية أفهمها جيداً، وهذا ليس إلا مقالا أدبياً، يضيف إلى إيماننا إيماناً، وإلى مفهوم البلاسيبو الطبي، قائمة من البلاسيبوات التي نتعاطاها، معتبرين إياها جزءاً من حقيقة ما هي إلا وهم.

كم من البلاسيبوات اللا كيميائية يمتلك كلٌ منا، وحديثي هذا ليس عن الوهم، بل عن كل بلاسيبو عالجنا فيه بالوهم وهماً. أي غيّرنا ونكّهنا وزيّنا الظاهر دون الغوص إلى أصل المرض أو العارض أو الحالة الأساسية التي تسبب هذا الوهم.

أغلبنا يعالج علاقاتنا بالخارج، بالطبيعة، بالمجتمع والعمل والموضة والعلاقات، إلا أن علاقتنا بالحياة وتطلعاتنا فيها بلاسيبو وجداني، غير مثير البتة، على عكس البلاسيبوات الطبية وتجارب الشفاء المثيرة للجدل، علاقتنا بالحياة بلاسيبو، وسيبقى طالما نحن غرباء عن أنفسنا حتى في أشدّ خلواتنا بها.

لا طوبى للغرباء بعد اليوم، إن كان الغريب نحن، غريب عن ذاته وملتصق بكل ما عداها.

لا طوبى للغرباء بعد اليوم، إن لم نكن على اتصال بذاتنا العميقة، مخاوفنا الأعمق، تجاربها المنسية، تجاربها المنسية، معتقداتها، موروثاتها، حديثها...

علّمني صديق يوماً أن أسأل نفسي كلما أخذني تيار الحياة: "من أكون؟" أو who am I? وأواصل ما أقوم به دون التفكير أو البحث عن إجابة. مع الوقت بدأت بملاحظة الوهم، ومحاولاتنا البديهية بتجنب ملاحظته، والتركيز على كل العوامل الخارجية لإصلاحنا، وهذا هو بالتحديد تعريف العلاج بالوهم الوجداني.

رغم ذلك ستكون رحلة الاتصال هذه فكرة غامضة، لا أفهمها جيداً، نصفها حقيقة ونصفها بلاسيبو آخر.








الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم