الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل تغير الجماعات الإرهابية استراتيجيتها في مصر؟

المصدر: "النهار"
القاهرة-ياسر خليل
هل تغير الجماعات الإرهابية استراتيجيتها في مصر؟
هل تغير الجماعات الإرهابية استراتيجيتها في مصر؟
A+ A-

ومن بين أهم ما لفت نظر المتخصصين في شؤون الإرهاب، رسالة بثها القيادي الجهادي أبو مصعب المقدسي، مؤخراً، وحض خلالها العناصر التكفيرية على نقل بؤرة المواجهة مع أجهزة الأمن المصرية من سيناء إلى القاهرة، ودعاهم لاستهداف المسيحيين، والقضاة، وكذلك ضرب المدن السياحية، وقناة السويس. 

وتأتي الرسالة بعد أشهر من انطلاق العملية "سيناء 2018" التي يقودها الجيش المصري، بالتعاون مع الشرطة وأجهزة الأمن، والتي بدأت في 9 شباط الماضي، وأسفرت عن مقتل واعتقال مئات الجهاديين في سيناء ومناطق أخرى، ولجمت نشاطات الإرهابيين، وحدت من قدرتهم على الحركة بصورة واضحة للعيان.

استراتيجية جديدة

وتقول الدكتورة شريفة زهير، الخبيرة في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة كاليفورنيا الأميركية لـ"النهار": "ليس ممكناً أن نعرف ببساطة من رسالة أبو مصعب المقدسي ما إذا كانت تهدف إلى الإشارة إلى تغيير حقيقي في الإستراتيجية، أو أن هدفها هو إخافة الحكومة من إمكانات الإرهابيين ضرب أهداف جديدة. بعد كل شيء، فإن هدف الإرهاب هو دائما محاولة إثارة الرعب، قبل الهجمات، وبالتالي هو يلحق الضرر باقتصاد البلاد، ويوسع التهديد بما يتجاوز ما يمكن للجماعات الإرهابية فعله حقا".

وتضيف الخبيرة في شؤون الأمن القومي: "كانت هناك حوادث في الماضي تشير إلى تعاون (المتطرفين) في أرجاء مصر مع المتشددين في سيناء، ولكن الأهداف المحددة المذكورة (في رسالة المقدسي) تتطلب مجموعة أكبر من المقاتلين، أكثر مما نعتقد في الوقت الحالي".



وتوضح زهير: "الأهداف التي ذكرها هم المسيحيون والقضاة، وكذلك استهداف مناطق سياحية مثل شرم الشيخ، والغردقة، والأقصر، وأسوان، إضافة إلى قناة السويس (لقيمتها الرمزية لحكومة السيسي وأيضا موضعها الاستراتيجي وأهميتها التجارية)".

"لم تكن هذه الأهداف ضمن الخطوط الحمراء داخل قيادة الجماعات الإرهابية في سيناء" تؤكد زهير، مضيفة "بل بالأحرى أن مهاجمة مثل هذه الأهداف، لم تكن مجدية أو كانت ستحقق خسارة أفراد من المرجح أن يتم القبض عليهم. الآن، الأمر يعود إلى قوى الأمن المصرية لتحديد قدرة (الجماعات الإرهابية) على التهديد -بعد أن تم حظر جماعة (الإخوان المسلمين)- وحماية الأهداف بالنظر إلى المواقع المحددة المذكورة".

لا "داعش" بمصر

ويحذر العقيد حاتم صابر، الخبير في مكافحة الإرهاب الدولي من الحديث عن أن هناك تنظيم داعش بمصر، ويقول لـ"النهار": "أؤكد أن مصر لا يوجد فيها داعش. قد تكون هناك جماعات بايعت التنظيم، لكن هذا لا يعني أن التنظيم نفسه موجود هنا. الجماعات التي بايعت داعش، لا تحصل على تعليمات وتدريب من قيادة التنظيم في سوريا والعراق، ولا يأتيها تمويل أو دعم مادي أو لوجيستي أو مخابراتي من هذا التنظيم، وبالتالي لا يصح أن نقول إن في مصر داعش".

ويضيف ضابط الصاعقة السابق الذي قاتل جماعات العنف بمصر وألحق بها خسائر فادحة، وعرف إعلاميا بـ"القائد المجهول": "صاحب الرسالة هو قيادي في تنظيم أنصار بيت المقدس (في سيناء) المنتمي عقائديا إلى داعش. ورسالته هذه تشير إلى معاناته من كمية الضربات التي تلقاها التنظيم، والترنح الذي أصابه بعد العملية (سيناء 2018). كان هذا التنظيم متواجدا في مثلث الشيخ زايد-رفح-العريش، وكان يشغل نسبة 1.5%، والآن لا يمثل وجوده نسبة تذكر".

ويشير الخبير بمكافحة الإرهاب: "العمليات الإرهابية خنقت التنظيم إلى درجة أنه لا يستطيع التحرك، ولم نعد نسمع عن عمليات إرهابية، لقد مر شهر رمضان الماضي كاملا، ولم نسمع عن عملية واحدة في سيناء. والتباعد في فترات إذاعة بيانات المتحدث العسكري بين البيان رقم (1) والبيان (26) توضح أنه تم تدمير البنية التحتية للإرهاب، ولم يعد لديه تأثير يذكر".

"هذه مجرد رسالة يريد منها أن يحدث بلبلة وتأثير على الرأي العام" يؤكد صابر، مضيفا "هو لا يملك القدرة على تنفيذ ما دعا إليه. وعلى سبيل المثال حين تنظر إلى محاولة تفجير كنيسة مسطرد -قبل أيام- ترى أن الإرهابي حاول الوصول إلى الكنيسة، لكنه لم ينجح، فاضطر إلى تفجير نفسه، أو ربما فجره أحدهم عن بعد، وما فعله أدى إلى اعتقال شركاءه في العملية. والخلية التي تم القبض عليها، سوف توفر معلومات لأجهزة الأمن المصرية، وسوف تؤثر على القواعد التي حاول الإرهابيون بنائها داخل العمق المدني لمصر، ولم ينجحوا في مسعاهم".

هدف دعائي

ويقول منير أديب، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية والإرهاب الدولي لـ"النهار": نقلت هذه الجماعات المعركة إلى القاهرة بالفعل، وهذه الرسالة دعائية، تستهدف إعلان أن المعركة مشتعلة في مصر، وفي الواقع المعركة مشتعلة ضد داعش في سوريا والعراق، من خلال التحالف الدولي، وبدعم دول عربية في مقدمها مصر والسعودية، وبالتالي التنظيم يريد أن يرد الصاع صاعين لتلك الدول. ومصر تمثل رقماً مهماً جداً بالنسبة للتنظيم، وأدبيات التنظيم تكشف عن أنها مرتكز أساسي ورئيسي".

ويضيف خبير الجماعات الإسلامية: "هناك خريطة كان داعش نشرها، توضح الدولة المفترضة التي يعمل التنظيم على تأسيسها -بخلاف العراق وسوريا- كان مرتكزها الأساسي هو مصر، ثم ليبيا، وفلسطين، والأردن. وأهمية مصر بالنسبة للتنظيم هي أن الشخصيات التي تمثل الجزء الأبوي، مصريون، وعندما نشأ داعش، كانت الشخصيات المؤثرة به من مصر، والبطولات الأولى حققها مصريون. ومثلما يشكل هذا البلد مرتكزا أساسيا لكل الدول العربية، فإنه أيضا يمثل مرتكز لتنظيمات العنف، وهم يعتقدون أن سقوط مصر يعني سقوط كل المنطقة العربية، ولهذا هم يسعون إلى إثارة الفوضى بها".

وعن دعوة المقدسي للجهاديين بالهجرة إلى مصر، ومدى واقعية هذه الدعوة في ظل السيطرة الشديدة لقوات الأمن المصرية على الحدود وشتى أرجاء الدولة، يقول أديب: "على الرغم من وجود تشديدات أمنية قوية، ما زالت منافذ الدخول موجودة، وقادة هذه التنظيمات يستطيعون الدخول والخروج عبر طرق غير شرعية، على الحدود مع ليبيا. القاهرة تواجه هذا عبر معلومات استخباراتية، وفي مرات تنجح، ولكن في مرات كثيرة يستطيع الإرهابيون التسلل".

ويوضح الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية: "حين يقول (المقدسي) هاجروا، هو يطالبهم بالدخول إلى مصر بطرق شرعية أيضاً، فهو يتحدث للتنظيميين، ويتحدث إلى الخلايا النائمة كذلك، ومثلما يستطيعون الدخول إلى لندن لتنفيذ عمليات هناك، يمكنهم القدوم إلى مصر كسائحين، والقيام بعمليات. وهذه الرسائل مؤثرة، وسوف أعطي مثالاً على ذلك: القيادي بداعش، أبو محمد العدناني أصدر تسجيلاً صوتياً دعا خلاله لشن عمليات ضد الدول المشاركة في التحالف الدولي لمكافحة تنظيمه، وقد قامت الخلايا النائمة في أوروبا بشن العديد من العمليات المسلحة استجابة لهذا التسجيل".

المواجهة الفكرية ضرورة

ويرى محمد كامل، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أن العملية العسكرية الشاملة، قضت على الكثير من كوادر التنظيم، ودمرت قدرة هذه الجماعات على القيام بعمليات مسلحة في مصر، ولكن في الوقت ذاته فإن فكر هذه الجماعات يجد طريقه إلى الشباب بسهولة عبر الإنترنت، ويسهم في إنشاء خليا نائمة يمكن أن تستجيب لمثل هذه الرسائل".

ويضيف كامل: "لقد رصدنا قبل محاولة تفجير كنيسة مسطرد توزيع كتيب عبر غرف محادثة الجماعات الجهادية في تيليغرام، يعلم أنصار التنظيم كيفية صنع المتفجرات. ونحن نتذكر الكلمة التي وجهها العدناني إلى أنصار داعش، هؤلاء الأنصار هما أشخاص غير تنظيميين، أعجبوا بفكر التنظيم، ويمكن لأي منهم أن يصنع قنبلة، وينفذ عملية مسلحة. إذا نحن بحاجة لمواجهة عقائدية وفكرية، تزيل هذا الفكر المتطرف من العقول، التي يمكن أن يتحول أصحابها إلى أدوات تدمير".

ويؤكد الباحث في الشأن الإسلامي أن "الأزهر على رأس الجهات التي تقوم بمواجهة هذا الفكر، من خلال مرصد متخصص، ولكن هناك فتور إعلامي لنشر أبحاث المرصد. المواجهة الفكرية أمر في غاية الأهمية لهزيمة داعش على الأرض، والأهم هزيمته داخل العقول".



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم