الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

رحيل دوريس ليسينغ المتمرّدة الفائزة بـ"نوبل" الآداب\r\n

المصدر: "النهار"
رلى راشد
A+ A-

تحلّ نهاية 2013 على ما يبدو، كنذير شؤم بالنسبة للظافرين بـ "نوبل" الآداب. في أعقاب الشاعر البهيّ الإيرلندي شيموس هيني، ها إن البريطانية دوريس ليسينغ ترحل، في الرابعة والتسعين.


غابت أمس الكاتبة الحاصلة على "نوبل" الآداب في 2007 والسيدة الحادية عشرة على قائمة هذا التكريم، لتطوي صفحة في نصوص حيث تحالفت الصرامة مع المخاطرة والتعاطف. لأكثر من عقدين وقبل جلبة الإمتياز الأدبي الأرفع في الشيخوخة المتقدّمة، إحتمت ليسينغ في منزلها، شمال غرب لندن. لاذت بالسكينة خلف تنانيرها الشاسعة وجهها حيث تعمّقت الأخاديد. صحيح ان ليسينغ سردت، في أكثر من ثمانية عشر نافذة قصصية، لندن وسكانها بعين حاذقة وحساسة وفي شدّ نثري ممتع توسل العاطفة والبرودة القاسية في آن معا. لكن العاصمة الإنكليزية لم ترحب بالشابة الوافدة إليها، فكتبت عنها "لا يسعني تذكّر انطباعي عن لندن خلال سنتي الإنكليزية الأولى. خلال عام بقيَت مدينة إقامتي كابوسا حقيقيا. لكن في إحدى الأمسيات وأنا أختال في المتنزه، تنبّهت الى نور وصل الأبنية بالأشجار والباصات الحمر وحولها الى شيء مألوف ورائع. أدركت عندذاك اني في وطني". باكورتها "العشب يغني" بهذا المعنى رواية وصول ليسينغ المادي الى لندن عام 1949 في الحادية والثلاثين من العمر، مصطحبة ابنها الثالث وتاركة وراءها زوجين سابقين وولدين. تتخذ الرواية مرتع طفولتها وشبابها روديسيا (زمبابوي حاليا) خلفية لها وتعدّ صرختها الأولى في تناول موضوعات الهمّ الإجتماعي اللاحقة، من خلال شخصية ماري ترنر، الواقعة في شرك زواج بائس وبلاد مضطربة.


ولدت دوريس ليسينغ أو دوريس ماي تايلور وهو اسمها عازبة، "مصادفة" في كرمنشاه الإيرانية في الثاني والعشرين من تشرين الأول 1919 لوالدين بريطانيين، وانتقلت صغيرة الى القارة السوداء حيث عاينت واقعا عرقيا مريرا وخضوع النساء للسلطة البطريركية. شكّلت تلك المرحلة مدخلها الى الإهتمام بالخارجين على أنماط المجتمع، رجال أو نساء، أطفال أو شيوخ، سود أو بيض، ليصور أدبها التخييلي الحقائق غير المريحة. تشكّل شخصية مارثا كويست في رواية لها، أحد تدرجات ليسينغ، والحال ان مسار الفتاة الإفتراضية المتمردة ثم الزوجة المثبطة التي نشأت في مزارع افريقيا، تشبهها الى حد بعيد. ترافق هذه الجذور الذاتية أيضا سلسلة "أولاد العنف" وهي كناية عن خمس روايات بدأتها في 1952 واختتمت في 1968 مع "مدينة البوابات الأربع". في الحلقة الرابعة بعنوان "محاطة باليابسة" ندخل عالما شبحيّا في حين يجلب الجزء الأخير من السلسلة مارثا من القارة السوداء الى لندن حيث يتعاظم اهتمامها بالعوالم البديلة. وبين الحدّين الزمنيين لهذه السلسلة وجدت ليسينغ متسعا من الوقت لإصدار "المفكرة الذهبية" (1962)، المحطة المفصلية في مسيرتها.


في كتابات ليسينغ، أفاقت التجربة الإنسانية الشخصية الخام والتجارب المشتركة من سباتها ليتلقف صانعوها الحياة بمتعة. فهمت ليسينغ الناس وشخصّت تشبثهم بالعيش واقتنعت انهم يتشكّلون من خلال التوتر. تعرّت من موروثاتها لتنظر الى الحروب والكوارث الطبيعية والتهديدات النووية واحتمالات تكرار العصر الجليدي. إلتزامها بالتطور الإنساني بيولوجي بقدر ما هو ميتافيزيقي، ومنحها القدرة على البقاء منفصلة عن الحسي والمادي وعلى أخذ مسافة للتفكير في نفسها ولنفسها.


رغم تصوير الكاتبة البريطانية دوريس ليسينغ العالم حيّزا مفزعا تغزوه الحروب من جنوبه الى شماله ومن شرقه الى غربه، ويستوطنه الأرهابيون أو نساء ورجال يحركهم العنف، لم تتخلّ عن أملها بمستقبل الأرض المشرق. وإن عنى ذلك ان تضطر الى النزوح الى مجرّات أخرى، بغية اقناعنا بذلك.
رلى راشد


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم