السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

لماذا تهتمّ الصين بهجوم عسكري محتمل على إدلب؟

جورج عيسى
لماذا تهتمّ الصين بهجوم عسكري محتمل على إدلب؟
لماذا تهتمّ الصين بهجوم عسكري محتمل على إدلب؟
A+ A-


مع تزايد الحديث عن اللجوء إلى الحلّ العسكريّ في إدلب، نقلت صحيفة "الوطن" السوريّة تصريحاً لافتاً لسفير الصين في دمشق تشي تشيانجين أعرب فيه عن نيّة الجيش الصينيّ المشاركة "بشكل ما" في معركة إدلب أو في أي مكان آخر في سوريا. 

قال تشي في حديث إلى الصحيفة في الأول هذا الشهر الجاري: "كما نعرف إنّ مكافحة الإرهاب ومعركة سوريا ضدّ الإرهابيّين ليست فقط لمصلحة الشعب السوريّ بل لمصلحة الشعب الصينيّ وشعوب العالم، وقد جرى تعاون جيّد بين جيشينا في مكافحة الإرهابيّين من كلّ دول العالم بمن فيهم الإرهابيّون القادمون من الصين وسوف يستمرّ هذا التعاون بين الجيشين والجهات المعنيّة".

وقال الملحق العسكريّ وانغ روي تشينغ للصحيفة نفسها إنّ "التعاون بين الجيشين السوريّ والصينيّ مستمرّ". وأشارت "الوطن" إلى أنّه "أواخر العام الماضي، تحدّثت تقارير إعلاميّة عن وصول قوّات خاصّة صينيّة إلى سوريا لدعم الجيش العربي السوري في مكافحة حركة تركستان الشرقيّة الإرهابيّة التي رصدت الدولة وجودها في ريف دمشق".


"إساءة تفسير"

جاء حديث السفير الصينيّ ردّاً على أسئلة عن إمكان مشاركة بلاده في العمليّات العسكريّة خصوصاً ضدّ إرهابيّي الأويغور الذين يقاتل عدد كبير منهم في محافظة إدلب. لكن في التاسع من آب، نشرت صحيفة "غلوبال تايمس" الصينيّة أنّ السفارة في دمشق نفت ما تردد من "أنّ الصين أرسلت قوّات عسكريّة للمشاركة في العمليّة العسكريّة للحكومة السوريّة خلال معركة إدلب". وقال إنّ "الصين لم ترسل مطلقاً أي قوّة عسكريّة في أيّ عمليّة عسكريّة قادتها الحكومة السوريّة"، مشيراً إلى أنّ الصين تدعم بقوّة التسوية السياسيّة السلميّة للأزمة السوريّة، غير أنّ الصين تدعم سوريا في صراعها ضدّ الإرهاب.

ورأى أنّ الصحيفة السوريّة "أساءت تفسير" ما قاله السفير الصينيّ والملحق العسكريّ. وأبلغ مصدر في وزارة الخارجيّة وكالة "سبوتنيك" أنّه لم يكن على علم بوجود خطط صينيّة للتدخّل في المعركة، لكنّه "رحّب بأي دعم" في هذا المجال.


"الأمن الصينيّ بمثابة أمن بلدنا"

وبمعزل عن التقرير الصحافيّ والنفي الذي صدر لاحقاً، ثمة أكثر من سبب لابداء الصين اهتمامها بمعركة إدلب المرتقبة. بعد يومين من هذا التقرير، أعلن وزير الخارجيّة التركيّ مولود جاويش أوغلو أمام نظيره الصينيّ وانغ يي أنّ "الأمن الصينيّ بمثابة أمن بلدنا"، متعهّداً عدم السماح "لأي ناشط معاد للصين في تركيا على الإطلاق". والأحد، قُتل 23 شخصاً على الأقل في تفجير مقرّ يقطنه مقاتلون آسيويّون من فصيل "أجناد القوقاز" كما قال مدير "المرصد السوريّ لحقوق الإنسان" رامي عبد الرحمن لـ"وكالة الصحافة الفرنسيّة". وتقطن غالبيّة أقلية الأويغور المسلمة في إقليم شينجيانغ بأقصى شمال غرب البلاد. ولبيجينغ مخاوفها من "الحزب الإسلاميّ التركستانيّ" الذي يطالب بالانفصال عن الصين، فيما تصنّف "حركة شرق تركستان الإسلاميّة" على لائحة الإرهاب. وانضمّ مقاتلون أويغور إلى تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) و"جبهة النصرة" في سوريا، وهذا أحد أوجه الأهمّيّة التي توليها بيجينغ للحرب المحتملة على إدلب.


"لم نأبه بمن كان الأسد"

في تقرير لها في كانون الأوّل 2017، أفادت وكالة "الأسوشيتد برس" أنّه منذ عام 2013، سافر آلاف الأويغور الناطقين التركية من الصين إلى سوريا للقتال إلى جانب "الحزب التركستانيّ الإسلاميّ". وقال علي، وهو أويغوري تعرّض للتضييق والتعذيب في الصين، خلال حديث الى الوكالة نفسها: "لم نأبه كيف كان الصراع أو من كان الأسد. لقد أردنا أن نعلم كيفيّة استخدام الأسلحة ثمّ العودة إلى الصين"، للانتقام. وانتقل إلى ماليزيا حيث حصل على وثيقة سفر تركيّة وعمل في اسطنبول قبل أن يتوّجه إلى سوريا للتدرّب على حمل السلاح. ولم يكن الأويغور التسعة الذين قابلتهم الوكالة يعرفون الكثير عن الإسلام السياسي الذي غذّى الجهاد العالميّ قبل أن يصلوا إلى سوريا، ومع ذلك، ظلّ هدفهم تعلم القتال لاستخدامه في الصين.

وربّما كان هذا الهدف هو ما يقلق الصين كثيراً، ما دام أن لا فرق عمليّاً بين من يريد ضرب أمنها باسم الارهاب أو الانتقام. لذلك، قد تكون المعركة الأخيرة في إدلب ذات أهمّيّة خاصّة تدعو بيجينغ لرفع مستوى التنسيق الأمنيّ مع دمشق بالحدّ الأدنى.


أمل تركيّ؟

من جهة أخرى، إنّ لغة الأويغور التركيّة جعلت هذه الأقلّيّة ورقة سياسيّة في يد أنقرة استغلّتها في المرحلة السابقة بحسب بعض التقارير. وفي كانون الثاني 2015، أعلنت صحيفة "غلوبال تايمس" أنّ بيجينغ أوقفت تسعة أويغور وعشرة أتراك أصدروا جوازات سفر مزوّرة لأويغور كانوا يرغبون في مغادرة البلاد إلى عدد من الدول أبرزها سوريا.

وأشارت تقارير إلى أنّ مقاتلين من تلك الأقلية وصلت إلى شمال سوريا عبر تركيا. لكن مع ازدياد الضغوط على أنقرة، قد يصير الدعم التركيّ المفترض لهؤلاء عبئاً ثقيلاً عليها. لذلك، أدلى جاويش أوغلو بكلام منفتح أمام نظيره الصينيّ آملاً ربّما في ان تحصل انقرة، مقابل التطمينات التركيّة، على ضمانات صينيّة لعدم المشاركة في الحرب على إدلب أو حتى فتح قنوات مع دمشق وربّما مع موسكو من أجل تحجيم عمليّاتهما العسكريّة المحتملة.


صداع

وقبل صدور النفي عن السفارة الصينيّة، توقّع معهد "ستراتفور"، حتى لو شاركت الصين في حملة استعادة إدلب، "وهو أمر بعيد عن أن يكون مؤكّداً"، ان يبقى هذا التدخل محدوداً ومقتصراً على نشر مستشارين عسكريّين ومسؤولين استخباريّين وربّما بعض قوات العمليات الخاصّة. وإن تحقّق هذا الأمر فقد تنشر الصين وحدة من "كوماندوس النمر الثلجيّ" التي تتمتّع بخبرة ملحوظة في مكافحة الإرهاب.

حتى لو لم ترسل الصين أيّ قوّة عسكريّة إلى إدلب، فهذا لا يعني عدم مراقبتها عن كثب ما سيجري في المحافظة، بحيث يتصاعد حجم تلك المراقبة لتصل إلى مستوى التنسيق السياسيّ والأمنيّ بين العاصمتين. ففي نهاية المطاف، تودّ الصين أن ترى معظم مقاتلي الأويغور قد قضوا في أي معركة مقبلة كي تتمكّن من اقتفاء أثار من بقي من العائدين إلى بلادهم. ففي رأي بيثاني ألان إبرهيميان في موقع "ذا دايلي بيست" أن خطر الأويغور يبقى "تهديداً وجوديّاً" للصين.

القلق الصينيّ ليس مرتبطاً باحتمال زعزعة الاستقرار الأمنيّ في إقليم شينجيانغ فحسب، بل أيضاً باحتمال إثارة أي نزعات انفصاليّة مستقبليّة داخل الإقليم. وهو صداع آخر لا ترغب بيجينغ في تحمّله...

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم