"كيسان" من الذكريات كل ما تبقى لوالدة المفقود في الحرب اللبنانية أيمن سليم

ستة وثلاثون سنة وهي تنتظر عودته، أو على الأقل خبراً يطمئنها عنه، لا بل حتى يكشف مصيره الغامض، تسأل نفسها عما إن كان لا يزال على قيد الحياة، كيف اصبح شكله، هل سيأتي اليوم الذي تحضنه فيه أم إنها ستفارق الحياة قبل ان تبرّد بدموع الفرح نار حرمانها الطويل. هذا حال نهاد الجردي والدة المفقود في الحرب الأهلية اللبنانية أيمن سليم كما حال باقي اهالي المفقودين الذين ذاقوا مرارات الشوق على ابناء "لا ضلّوا ولا فلوا". مزمنٌ الألم في صدرها، تجاعيدها تروي حكايات ليال عاشتها تبكي فيها حبيبها، تتذكر كل لحظة قضتها معه، شهور حملها به، يوم ولادته والفرحة التي لم تسعها حينها، اللحظة التي نطق فيها "ماما" وخطواته الأولى، عندما كانت ترافقه الى المدرسة وكيف دخل الجامعة، يوم توظف في "بنك لبنان والمهجر" فرع الحمرا، سهراتها معه، جلساتهما الطويلة مع العائلة واحاديثهما اللطيفة. فجأة انقلب الحال ولم يبق من تلك الايام سوى صور تقلبها مستعيدة ذكرياتها مع ابن ربّته 21 سنة، لتفقده بحرب لا يد له فيها، ومع هذا ما زالت تعيش على قيد الامل، مؤكدة على انها لن تتوقف عن البحث عنه، "فمن حقي ان اعرف مصيره"."من أين أبدأ"؟في بلدة العزونيّة مسقط رأس زوجها انتظرتنا نهاد (76 سنة) أمام بيتها، لتسرد قصة ألمها الطويل، بمحبة عانقتنا وكأنها تعرفنا منذ سنين، جلسنا على طاولة في حديقة منزلها القديم، كل حجر في بيتها يشعر الزائر انه سينطق ليروي معاناتها، وسماعه لأنينها حين يشتدّ شوقها وحنينها. لا تعرف نهاد من أين تبدأ، هل من لحظاتها السعيدة مع ابنها، او يوم علمت بفقدانه وهو متوجه بسيارة مدير مدرسة في البلدة يدعى فريد كوكاش وصديقه شاهين عميد من الضيعة الى بيروت" ليتم توقيفهم في بحمدون، ويقتادهم مسلحون لبنانيون الى المجهول، كان ذلك يوم الاثنين في 22...