الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

قضية الأيزيديين: لا تجعلوا الإبادة في حالة دفاع عن النفس

المصدر: "النهار"
لين زوفيغيان، مديرة إدارية، The Zovighian Partnership
قضية الأيزيديين: لا تجعلوا الإبادة في حالة دفاع عن النفس
قضية الأيزيديين: لا تجعلوا الإبادة في حالة دفاع عن النفس
A+ A-

حملت ذكرى الإبادة الأيزيدية في الثالث من آب لحظات قاسية أعادتنا بالذاكرة إلى الوراء. لقد انقضت أربع سنوات منذ شروع تنظيم "داعش"، مع معتقداته غير الإسلامية على الإطلاق، بممارساته لإبادة شعبٍ يحمل راية السلام انطلاقاً من تجذّره في علاقةٍ تكافلية مع الطبيعة والبشرية. كنت أواظب يومياً، عام 2014، على قراءة الأنباء والتقارير عن الحكايات المؤلمة والروايات المتكرّرة للعائلات المنكوبة في سنجار. قُتِل الرجال الأشدّاء. وقُتِل المتقدّمون في السن أو تمت إزاحتهم جانباً كي لا يشكّلوا عبئاً على المخططات العسكرية التوسّعية لمقاتلي "داعش". واقتيد الفتيان الصغار إلى معسكرات "داعش" العسكرية والتلقينية.


وفُصِلت الفتيات والنساء عن عائلاتهن ووُضِعن في منازل، ثم في شاحنات "بيك آب" وحافلات، قبل أن يُرغَمن على الوقوف في صفوف في الأسواق كي يبدأ مقاتلو "داعش" بالمناقصات لشرائهن. وقد بيعت العذراوات الشابات ذوات العيون الكبيرة والجميلة التي تتميّز بها الأيزيديات – وذات اللون الأخضر في حالة عدد كبير منهن – والبشرة الناعمة، بالسعر الأعلى. إنما تم بيعهن جميعاً. ثم أعيد بيعهن تكراراً. وبعدها، احتُجِزت بعضهن رهائن مقابل فدية من دون أن تكون عودتهن سالمات إلى عائلاتهن أمراً مضموناً. لقد تحوّلت هذه العبودية الجنسية الكاملة والمنظّمة مصدراً منتظماً للإيرادات في اقتصاد "داعش" الجديد. ضربت كل هذه الأحداث وتراً حساساً لدي لم أستطع السيطرة عليه. 


تسلّحتُ بمعارفي في النظرية السياسية والتاريخ الإسلامي، وبدأت بقراءة الفتاوى التي نُشِرت عبر صفحات "داعش" على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي مجلة "دابق" الصادرة عن التنظيم باللغة الإنكليزية. لقد وجّهوا دعوات لإبادة الشعب الذي وصفوه بـ"عبدة الشيطان". وعبّروا عن منطقهم بوضوح: مَن ليسوا من أهل الكتاب لا فرصة أمامهم للخلاص عن طريق الاهتداء، ولذلك يجب تدميرهم من أجل تنقية العالم وتهيئة الساحة لقيام خلافة محصَّنة. ثم تنبّهتُ للأمر: هذا ليس مجرد غزو، ولا مجرد استيلاء على الأراضي لتثبيت دعائم ما يُسمّى بـ"الدولة الإسلامية". استيقظ الكائن الأرمني في داخلي: إنها إبادة.


بدأنا أنا وأصدقائي الأيزيديون في "يزدا"، وهي منظمة أيزيدية أسّسها أصدقائي في وجه الفظائع، التدقيق في ما يُسمّى بالفرضيات الفقهية التي قدّمها تنظيم "داعش". في ذلك الوقت، لم يطلق أحد تسمية الإبادة على الممارسات التي كانت جارية. غير أن الأنظار كلها تركّزت على الفظائع التي كانت تُرتكَب. هل كانت عبارة عن افتراضات فقهية تُمارَس في شكل إبادة؟ أم أنه كان مجرد مخطّط منحرف لبث الحماسة لدى المقاتلين وإخراج أعمق أشكال اللاإنسانية من داخل كل واحد منهم؟ بات الجواب واضحاً بطريقة مروّعة مع بدء بعض السبايا الأيزيديات من فتيات ونساء بالفرار والعودة إلى عائلاتهن؛ وكانت جميعهن يعانين من ظروف مروِّعة ومن حالة صدمة. لم يكن ما يُسمّى بـ"الدولة الإسلامية" يمتلك، في أشهره الأولى، حدوداً محصَّنة؛ لم يكن الفرار مهمة مستحيلة، وكان يتم عادةً بمساعدة من المهرّبين. لكن مع الزيادة في أعداد الفارّين، بدأ تنظيم "داعش" بفرض عقوبات قاسية على كل مَن يُقبَض عليه وهو يحاول الفرار. بيد أن خطر التعرّض لبتر أحد الأعضاء أو الاغتصاب الجماعي لم يردع هؤلاء النساء والفتيات اللواتي يتحلّين بشجاعة استثنائية. ومع عودتهن إلى عائلاتهن، بدأن بتشارُك رواياتهن عن الحياة في منازل مقاتلي "داعش". وقد روين كيف كان مالكوهن من مقاتلي "داعش" يبررون ممارساتهم تجاه الأيزيديين يومياً، واصفين إياهم بالمشرِكين وعبدة الشيطان الذين يجب استعبادهم للقضاء على مجتمعهم وهويتهم. لقد انكشفت الحقيقة: استُخدِم الاستعباد الجنسي بمثابة السلاح الحربي الأكثر ظلامية بهدف القضاء على الهوية والإجهاز على فرص إعادة بناء مجتمع أيزيدي.


لكن لا يجدر بي التكلم بصيغة الماضي. لا يزال تنظيم "داعش" حاضراً – صحيح أنه لم يعد يتخذ شكل دولة، إنما لا يزال تنظيماً منهجياً، كما أنه يستمر في ارتكاب إبادة في حق شعبٍ أنهكته الحرب والنزوح. يواصل "داعش" قرع أبواب العائلات والمهرِّبين، طالباً فدية للإفراج عن الفتيات والفتيان والنساء الذين لا يزالون في الأسر. هناك أكثر من ثلاثة آلاف أيزيدي تحت سيطرة "داعش". ويزيد عدد النازحين الأيزيديين عن 400 ألف، وهم عاجزون عن إعادة بناء حياتهم في مخيمات النازحين حيث تسود ظروف مروّعة في عدد كبير منها. أيُّ فرصٍ نقدّم للشعب الأيزيدي كي يتمكّن من الانتصار على الإبادة؟ ليس فقط باللحم الحي، إنما من خلال الإمكانات البشرية والقوة في سبيل إعادة الإعمار والازدهار؟ الاعتراف والإنصاف غير كافيَين من دون تقديم المؤازرة من أجل العيش بكرامة وصمود. يستحق أصدقاؤنا الأيزيديون أن نعيرهم أقصى درجات الاهتمام من أجل القضاء على مختلف أشكال الشرور التي لا تزال تعترض طريقهم.





الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم