الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

عملية الأمل تشحن المساعدات ويلتسين الجديد يحل المسألة النووية سريعا

المصدر: "النهار"
Bookmark
عملية الأمل تشحن المساعدات ويلتسين الجديد يحل المسألة النووية سريعا
عملية الأمل تشحن المساعدات ويلتسين الجديد يحل المسألة النووية سريعا
A+ A-
في هذه الحلقة ال43 من مذكرات وزير الخارجية الاميركي الاسبق جيمس بايكر، والتي تنشرها "النهار"، يعرض تفاصيل تنظيم حملة المساعدات الانسانية الكبيرة التي تولتها الولايات المتحدة في اتجاه روسيا وباقي دول الاتحاد السوفياتي السابق. ويروي تأثره حيال ارادة التعاون مع الاميركيين التي لقيها من الرئيس بوريس يلتسين ومساعديه، والتي تجلت بسهولة الاتفاق على الاسلحة النووية وتجارة الاسلحة التقليدية العالمية. وهذه الحلقة هي الفصل الاول من الجزء الثاني والثلاثين من مذكرات الوزير بايكر. دعم الحرية في ادول المستقلة هل ما زلنا اعداء؟ بوريس يلتسين لجورج بوش كامب ديفيد، اول شباط 1992 برد. برد قارص، هذا هو الوصف الوحيد الذي يمكنني ان اطلقه على العالم خارج نافذة سيارتي التي جمدها الصقيع، فيما نحن نندفع في 14 شباط، عبر ما بدا انه شارع يتغلغل في اعماق روسيا. وفي مشهد خارج مباشرة من رواية "الدكتور جيفاكو"، كانت السهوب مطمورة تحت الثلوج، الريح تصفر فوق البحيرات المتجمدة، والجيوب التي انتصبت فيها اشجار البتولا الدائمة الاخضرار تنتشر كالبقع المتفرقة اشبه شيء بالواحات في صحراء. وفي لحظة ما رأيت حصانا يجر عربة تزحف عبر الحقول، مخترقة المدى المغطى بالثلوج والذي بدا بلا نهاية. وقد توجهنا من ييكاترنبورغ على مبعد بضع مئات من الاميال الى الشرق من موسكو، على الجانبين السيبيري من الاورال، في رحلة تستغرق ساعتين جنوبا الى "تشليابنسك 70" وهي مدينة لم يكن احد في العالم يعرف عنها شيئا قبل شهور. والحال ان "تشليابنسك 70" التي توجد فيها واحدة من منشأتين نوويتين صممتا على الطراز الروسي، كانت تشبه منشأتنا في لوس الاموس او لورنس ليفرمور، ولكن مع فارق واحد رئيسي: كان مجرد وجودها، ناهيك بالتجارب التي كانت تجري فيها يعتبر سرا من اسرار الدولة، فهي لا تظهر على الخرائط الروسية. كما ان اهالي ييكاترنبورغ المدينة الرئيسية الاقرب اليها، لم يكونوا يعرفون شيئا عن "تشليابنسك 70" حتى وقت قصير من وصولنا اليها. لقد كانت تشليابنسك تمثل بالنسبة الى الاتحاد السوفياتي مجرد ثقب من الثقوب السوداء. الا انها بعد مرور شهر على عودة روسيا في شباط 1992، اصبحت رمزا للتعاون الاميركي الروسي. وقد كان من المصادفات التي حدثت في الوقت الملائم ان الاميركيين قاموا بزيارتها في عيد فالانتاين ( عيد العشاق والمحبين) للمرة الاولى. وبعد رحلة طويلة عبر طريق بعيد عن الطريق الرئيسي اخترقت عددا من نقاط المراقبة، قطعنا العديد من الحواجز المصنوعة من الاسلاك الشائكة، قبل ان نصل الى مبنى من 8 طبقات مخصص لاجراء الابحاث، ويبدو مهملا تقريبا. وقد كان في استطاعتي ان اشاهد علماء وتقنيين ومعاونين كهربائيين يلوحون لنا بحماسة من خلف جميع نوافذ المبنى، بل ان اصواتهم المرحبة بنا كانت تخترق النوافذ المغلقة من اجل الحؤول دون تسرب الشتاء الروسي القارص. وهكذا شعرت بانني اشبه بمن هبط من كوكب المريخ، فكأنني اعجوبة على هؤلاء الرجال والنساء التفرج عليها بأعينهم . واذا ما ازحنا البرد جانبا، وقمنا بزيادة عدد الجموع بطريقة حسابية، امكنني ان اجد نفسي وقد عدت القهقرى الى تيرانا عاصمة البانيا في حزيران 1991، لقد احسست ان انفجار العواطف المتعلقة باميركا كان من النوع نفسه بالضبط. توجهنا الى قاعة محاضرات مكتظة لكي نلتقي بخمسة وعشرين عالما من كبار علماء المركز. وقد ذكرتني الغرفة بايام دراستي الجامعية الاولى في برنستون، الا انها لا بد ان تبدو غير مألوفة في اعين الطلبة اليوم. كان ذلك المنظر يعني بالنسبة الي حالا من النكوص الى فترة الخمسينات. غير انني كنت اعلم ان اولئك الجالسين امامي كانوا يمثلون بعض اشد العقول حداثة وحصافة في العالم كله. وما ان جلسنا حتى بدأت الافكار تتدافع في خاطري: ها هم الذين صمموا الاسلحة التي رسمت حدود الحرب الباردة. وقد شرعنا في الغرب نناقش الطريقة التي يمكننا مساعدتهم بها على ضمان مستقبلهم. حقا ان التاريخ لمثير للسخرية! بدأ اجتماعنا بعرض مفصل للبرنامج النووي السوفياتي السابق، وكذلك العمل الذي ينكب العلماء الآن على انجازه، بتوجيه من الجمهورية الروسية المستقلة. وقد اخبرني احد العلماء بقوله: "ليس هناك من نقص في الافكار، غير ان الصعوبة الكبرى تكمن في الاقتصاد". وبالفعل فان العلماء قاموا بطرح عدد من الافكار للبحث معي في شأنها، بدءا من انتاج الماس الصناعي الى تطوير نظارات مصنوعة من الالياف لتحسين القدرة على قراءة الصور المغناطيسية النووية. لقد كان من الجلي ان هؤلاء الباحثين كانوا متعطشين لتحويل معارفهم التي كسبوها في مجال تصميم الرؤوس النووية الى استعمالاتها السلمية المفيدة. انهم كانوا يواجهون مشكلة حادة كما قال احدهم: "في الاعوام الاخيرة تدهور الوضع المادي للمؤسسة الى حد كبير" وكان من الواضح انه ما لم يتم العثور على طريقة لتمويلهم ودفع رواتبهم فان الايرانيين والكوريين الشماليين والانظمة الناشزة الاخرى سيحاولون شراء خبراتهم النووية بأسعار بخسة، اي ان المشكلة هي مشكلة نزف في الادمغة والكفايات. اجبت: "هذا بالضبط الامر الذي جئنا الى هنا من اجل ان نناقشه، وبدلا من ان نعتبر المشكلة (brain drain) نزفا في الادمغة، يجب ان نفكر فيها باعتبار انها عملية للادمغة (brain gain) وعلى المجتمع الدولي بموجبها ان يعمل مع روسيا والدول الاخرى المستقلة لمساعدتكم من اجل تحويل مواهبكم مشاريع مدنية مفيدة". وعرضت اقتراحا يفضي بانشاء مركز علمي مشترك يمكن ان يكون بمثابة اداة لفرز علماء صناعة الاسلحة النووية وتكليفهم مشاريع اخرى مهمة تنطوي على التحديات الفكرية اللازمة وتتناسب مع كفاياتهم. فكان رد فعلهم مفعما بالحماسة. وقد اوضحوا ان ما يحتاجون اليه على الفور هو تأمين الوسائل من اجل التخزين المأمون للاسلحة النووية المنزوعة، والمساعدة في ايجاد الطرق الكفيلة استخدام هذه المواد التي تم تدميرها على نحو مفيد. وفي اعقاب الاجتماع التقطت لنا صور جماعية بالقرب من تمثال ييغور. ف. كرشاتوف وهو ابو البرنامج النووي السوفياتي، ونظرا لانه لم يسبق ان سمح بدخول كاميرات او مسجلات الى المنشأة فقد اضطررت الى بذل بعض الجهد من اجل اقناع ادارتها بالسماح بالتقاط الصور. وبينما انهمكت في مناقشة المسألة مع يفغيني افرورين، كبير العلماء، وفيكتور ميخائيلوف وكيل وزارة الطاقة النووية، اخذ العديد من العلماء يهمسون: "دعه يلتقطها، دعه يلتقطها". واخيرا لان موقف افرورين وميخائيلوف. قلت للعلماء الذين كانوا يتحرقون شوقا لعرض ما انجزوه على انظار العالم: "انظروا، انه يوم جديد". وبعد ذلك توجهت بصحبة عدد من المساعدين الى مخبر المنشأة الخاص بالتجارب على المواد، حيث تجري التجارب على الليثيوم والبلوتونيوم واليورانيوم. ونظرا لاننا كنا نزمع الدخول الى مناطق يمكن ان تكون مشبعة بالمواد المشعة فقد ارتدينا ملابس وقبعات بيضاء اللون، فأحسست باننا اصبحنا في مخبز. ووضعنا...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم