الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

هل يربح مزارع الحشيشة من التشريع ما كان يربحه من التهريب؟ مردود "التجارة الحرة" يختلف عن بيع المحاصيل الى الدولة

المصدر: (و ص ف)
A+ A-

خلف حاجز للجيش في شرق لبنان، تلوّن نباتات الحشيشة حقلاً شاسعاً، وتلوح من بعد بطول يتخطى المتر، فيما بات اليوم بإمكان زارعي هذه النبتة المحظورة الحديث عنها علناً، بعدما بدأت السلطات تعد قوانين لتشريعها للاستخدام الطبي حصراً. 

ويتباهى أصحاب أراضي بلدة اليمونة بمداخيل يحققونها من هذه الزراعة المنتشرة لديهم، والتي فشلت كل محاولات الحكومة على مدى سنوات في وضع حد لها. لكن خشيتهم الأكبر من أن تتسبّب قوانين جديدة بخسارة تلك الأرباح.

اتخذ قرار العمل على وضع قوانين لتشريع زراعة الحشيشة، إثر تلقي الحكومة توصيات في هذا الشأن من شركة "ماكينزي" للاستشارات المكلفة وضع خطة للنهوض بالاقتصاد.

ولا يزال عدد من المزارعين يخشى المجاهرة باسمه لدى الحديث عن الموضوع، لكن محاذير كثيرة سقطت مع إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن البرلمان في "صدد التحضير لإقرار التشريعات اللازمة لتشريع زراعة الحشيشة وتصنيعها للاستعمالات الطبية". وبين هذه المحاذير، التباهي بسهولة زراعة هذه النبتة وتدني كلفتها.

ويقول أحد المزارعين، مشيراً إلى المنازل المطلة على سهول الحشيشة في اليمونة: "كل هذه البيوت وقرميدها من حولنا بنيت بأموال زراعة الحشيشة". ويضيف: "إذا رميت الحشيشة على البحص تنبُت، تراها على جوانب الطرق وحتى فوق النفايات".

ويجد زائر بلدة اليمونة نفسه أينما توجه محاطاً بحقول خضراء شاسعة من الحشيشة، تزينها أقراص دوار الشمس الصفراء اللون التي تعرف بطول شتولها، وغالباً ما كانت تزرع لتحجب رؤية الحشيشة.

تجري زراعة الحشيشة في مطلع الربيع ويكون حصادها في شهر أيلول. وبعدها تجفف تحت أشعة الشمس، قبل أن يجري تبريدها ثم "دقّها" أو طحنها في معامل صغيرة في البقاع.

وقد عملت القوى الأمنية خلال سنوات على تلف المحاصيل او مصادرة بضائع مهرّبة. ووقعت مواجهات دامية أحياناً بينها وبين العائلات التي تعمل في هذا الحقل، كما حصلت تدخلات سياسية لوقف الحملات والملاحقات.

لا تزال الطريق طويلة أمام التشريع، وإن كان سكان اليمونة يخشون آلية التنفيذ. فالبيع الى التجار بهدف صنع المخدرات شيء، والبيع وفق قواعد محددة وفي مساحات محددة لاستخدام النبتة في صناعة الأدوية شيء آخر.

يقول نائب رئيس بلدية اليمونة حسين شريف لـ"فرانس برس": "كلنا تحت القانون ونريده، نحن أساساً ضد زراعة المخدرات، لكن لم تنجح زراعة أخرى لدينا. لا مشكلة في التشريع، لكن المستفيد الأول يجب أن يكون المزارع".

ويرى أنه على المزارع أن يربح من التشريع بقدر ما كان يربح من التهريب. ويوضح أن المزارع في اليمونة كان يعمل في "التجارة الحرة، يبيع الانتاج لتاجر كبير ويربح عشرات أضعاف الكلفة. أما اذا حصل الأمر عبر الدولة، فالأرباح لن تكون ذاتها"، خصوصاً إذا حددت السلطات الأراضي المسموح الزراعة بها أو الجهات التي ستشتري.

ويقول مختار اليمونة جمال شريف إنه مع التشريع، "يجب حصر الزراعة في المناطق التي تزرع فيها حالياً"، موضحاً أنه "اذا بات الشخص الذي كان يأتي إلينا لشرائها قادراً على زراعتها، فسيتوقف عن المجيء إلينا".

ويُعد لبنان، وفق الأمم المتحدة، ثالث منتج لعجينة الحشيشة في العالم بعد أفغانستان والمغرب. ويجد المنتج اللبناني بشكل أساسي أسواقاً له في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما في سوريا والأردن ومصر وإسرائيل وقبرص وتركيا.

وشكلت الحشيشة اللبنانية المعروفة بـ"نوعيتها الجيدة"، صناعة مزدهرة خلال الحرب الأهلية (1975-1990). وكانت تدر ملايين الدولارات، قبل أن تقوم الدولة بحملات للقضاء عليها واعدة بزراعات بديلة، الأمر الذي لم يتحقق.

ولعل أكثر ما يحلم به سكان المنطقة هو أن يتيح تشريع الحشيشة إسقاط الدعاوى ومذكرات التحقيق، في حق آلاف المطلوبين في قضايا تتعلق بإنتاج وتهريب وتجارة المخدرات وبينها الحشيشة.

ويقول نائب رئيس البلدية: "بمجرد ان شُرّعت الحشيشة، ينتظرون هنا أن يصدر عفو عن أكثر من 30 ألف مطلوب ممن لديهم قضايا متعلقة بالحشيشة وتجارتها".

وتسمح دول عدة في العالم باستيراد وتصدير الحشيشة للاستخدام الطبي، بينها الارجنتين وولايات أميركية عدة. أما كندا والأوروغواي فتسمحان بزراعتها واستهلاكها للترفيه.

وتستخدم الأدوية التي تتضمن القنب لتخفيف أعراض الصرع او الآلام المزمنة، أو الغثيان لدى مرضى السرطان وغيره.

ويعبّر مختار بلدة اليمونة عن تشاؤمه من مشروع تشريع زراعة الحشيشة، في ظل الفساد المستشري، ويقول: "سرقوا كل ما في لبنان، لم يبق سوى الحشيشة يريدون سرقتها"، مشيراً إلى أن فوائد زراعة الحشيشة على الاقتصاد مرتبطة بمنح حرية أكثر للتجار.

ويقول جمال شريف: "تريدون تشريعها قولاً وفعلاً، اتركوني أزرعها وأتركوني أصدرّها(...). سيكون تجار المخدرات قادرين على تسديد دين الدولة في سنة واحدة".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم