الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

من المستفيد من عدم إقرار ضمان الشيخوخة؟

منال شعيا
منال شعيا
A+ A-

هو الواقع الصحي في لبنان تختصره لائحة من الأسئلة التي لا تنتهي. ومشكلة اللبنانيين مع ضمان الشيخوخة تكاد ايضا لا تنتهي.


قبل نحو ستة اعوام، انكب رئيس لجنة الصحة النائب عاطف مجدلاني وضمن اللجنة، على درس مشروع قانون ضمان الشيخوخة، المقدّم من الحكومة. وقبل خمسة اعوام، تقدّم ايضا "تكتل التغيير والاصلاح" باقتراح قانون للغاية نفسها.


عندها، بدأ المشوار بدرس الاقتراح والمشروع، وحتى الساعة لا قانون، فيما النتيجة ان عدداً كبيراً من اللبنانيين لا يزالون يعانون.


موسى حيدر إبن الثمانين سنة، يشكو وحدته رغم كثرة اولاده، الا انه لا يجد احداً منهم "لكل منهم همومه وبالكاد يفي حاجة اولاده"، يقول: " انا وحيد من دون رعاية ولا عناية".


الرواية نفسها عند نعمة غنطوس (78 سنة)، يشرح ان ليس لديه من مكان يقضي فيه اوقاته غبر البيت، وهذا يؤثّر على نفسيته. يعلّق: " لا احب كلمة متقاعد، لكني انتظر شيخوختي بصمت وبلا ضمان".


ويلاقيه انطوان عويس (80 سنة)، يجلس وبالكاد يستطيع التقاط انفاسه، يخبر انه "ينتظر كل شهر ما يعطيه اياه اولاده"، ويتحدث بصمت: " هذا واقع مخيف للبناني في بلدنا".


هي نماذج ثلاثة تكاد لا تختصر المعاناة، لا بل هي وقائع من قصة لبنان الأسود.


لبنانيون لا يزالون ينتظرون الفرج، وسط مشاريع واقتراحات "ترتاح" في ادراج المسؤولين. وكغيره من الاقتراحات، سار قانون ضمان الشيخوخة في لجان فرعية عدة، ونتيجة النقاشات التي كانت تحصل داخل اللجان، بقيت نقطة واحدة عالقة، هي استقلالية هذا النظام عن الضمان الاجتماعي، علماً ان اقتراح التكتل ومشروع الحكومة يقران باستقلالية النظام، فيما هيئة الاتحاد العمالي العام ومؤسسة الضمان يرفضان هذه الاستقلالية.


تسوية وانتظار


عندها، احيل الاقتراح والمشروع مجددا على لجنة فرعية اخرى، قبل عرضه على الهيئة العامة، مع اقتراح تسوية معيّنة. وكانت تقضي التسوية، "بقاء النظام في الضمان الاجتماعي مع اشتراط اصلاحات في المؤسسة".


وليس خافياً على احد ان اللبنانيين يشتكون دوما طريقة تأمين الضمان الذي يجب ان يكون بديهياً في اي دولة متحضرّة، الا انه غالبا ما يخضع في لبنان، لحسابات مصالح النافذين، وتكون النتيجة على حساب المواطن وتأمين آخرته.


والاهم من كل ذلك، انه حين يبلغ اللبناني العمر الذي يحتاج فيه الى الضمان والصحة، يصبح عرضة "للتسوّل" على ابواب المستشفيات، طلباً لما هو حق له.


والمعلوم اليوم ان لا تعويض نهاية الخدمة يوفر العيش اللائق، ولا التمريض المحترم مؤمن للبناني، من هنا، يبقى اقتراح القانون الجديد، اذا اقرّ مع الاصلاحات المطلوبة، بابا لامكان تأمين حياة كريمة للمواطن حتى آخر يوم من حياته، مع ضمان صحي ومعاش تقاعدي ومعاش عجز.


ومشروع القانون المقدّم تحت اسم مشروع قانون التقاعد والحماية الاجتماعية، يؤمن في حال الوفاة، حصة للأولاد والزوجة، تبلغ 80 في المئة من المعاش التقاعدي. والأهم، ان ضمن القانون يوجد بند يسمح للبنانيين خارج لبنان بأن يدخلوا في النظام بعد 20 سنة من تسديد الاشتراكات، بحيث يستفيدون من المعاش التقاعدي والتمريض، فلا يكونون مضطرين الى انهاء حياتهم خارج لبنان، بعد اعوام من الهجرة بحثاً عن لقمة العيش والرزق، فأقلّه يمكن ان يرتاحوا في ايامهم الاخيرة، داخل بلدهم. واذا اقرّ القانون المنتظر، يمكن ان يكون اشبه بانجاز يعادل انجاز انشاء الضمان الاجتماعي عام 1964.


لذلك، اين هو الاقتراح اليوم، ولماذا لم تنضج هذه التسوية؟


في 25 تشرين الثاني 2008، وضع المشروع على جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب وأعلن الرئيس نبيه بري إعادته إلى اللجان المشتركة لمناقشته من جديد. منذ ذلك الحين اختفى المشروع، او بالأحرى عاد الى لجان فرعية لدرسه، ولم يدرج حتى الآن على جدول أعمال أي جلسة من جلسات اللجان النيابية المشتركة، او الهيئة العامة، كما لو انه يتفرّع من لجنة فرعية الى اخرى.


والمدهش ان ايا من الكتل النيابية لا ترفع الصوت عاليا للمطالبة بالتعجيل في اقرار القانون، حتى الكتل نفسها التي قدمّت اقتراح القانون. والاغرب ايضا ما يترّدد في بعض الكواليس، ان ما من احد يريد اقرار هذا الاقتراح، او يصرّ عليه. اولاً لأن المسؤولين غير مستعجلين في الاساس على اقرار القانون، فهم غير متضررين. او بالاحرى، فان القول المعاكس هو الذي يعتبر الأقرب الى الواقع، لأن النافذين الكبار قد يكونون متضررين من اقرار القانون، لا سيما اذا فرضت الاصلاحات المطلوبة، وبالتالي، فان "باب رزق" سيقفل امامهم، اذا سلكت الاصلاحات نهايتها السعيدة.


اليوم، بات القانون أسير رأيين، فاللجنة الفرعية المنبثقة من اللجان النيابية المشتركة برئاسة مجدلاني وصلت الى حائط مسدود في آخر اجتماعاتها بعدما أصرّت الهيئات الاقتصادية، المدعومة من فريق سياسي معين، على انه لا يمكن لصندوق الضمان الاجتماعي الذي لم ينجح برأيها في حسن ادارة وضعه المالي، ان يكون مسؤولاً ايضا عن نظام الشيخوخة.
اما الرأي الثاني، فيتبناه الفريق الاداري في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومن يدعمه ايضا على المستوى السياسي، ويعتبر ان نظام الشيخوخة ينبغي ان يكون تحت رعاية الصندوق وباشرافه، على أن يكون فرعاً من الفروع المنضوية تحت ادارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، كفرع الامومة ونهاية الخدمة.


عند هذا الحدّ، جمد المشروع ولم يتقدّم. وباختصار، هذه هي الحكاية غير السعيدة لقانون ضمان الشيخوخة في لبنان.


[email protected]


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم