الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لبنانيون... ونقطة على السطر!

المصدر: "النهار"
لمياء غنطوس شارلوبوا
لبنانيون... ونقطة على السطر!
لبنانيون... ونقطة على السطر!
A+ A-


بعد بضعة أيام من عودتي من وطني الأم، وفيما كنت جالسة وسط هدوء مكتبي في مونريال، بعيداً من أصوات أبواق السيارات ومن غليان بيروت، نشرتُ كلمات عبر صفحتي على موقع "فايسبوك". كلمات واقعية، صادقة، ربما وردية بعض الشيء، ومما لا شك فيه أنها كلماتٌ وطنية، ومفعمة حكماً بالأمل. سافرت تلك الكلمات بسرعة البرق حول العالم. وكان لها وقعٌ شديد: 6800 إعجاب، 770 تعليقاً، 4100 مشاركة عبر "فايسبوك"، وآلاف المشاركات من خلال خدمة "واتساب" وموقعَي "إنستاغرام" و"لينكد إن". لقد وصلت كلماتي ورسائل التعليق عليها إلى كولومبيا والبرازيل وأستراليا. علّق عليها لبنانيون في بلدان الاغتراب وفي لبنان، وأبدوا إعجابهم بها أو امتعاضهم منها. 


أقول بكل صراحة إنني لم أكتب هذا المنشور بهدف أن يتحوّل إلى مادّة متداولة عبر الإنترنت، إنما كتبته مدفوعةً بأمل بسيط وهو نشر طاقة إيجابية مُعدية. فأنا لست سوى مستشارة في العلاقات العامة، عاشقة لوطنها، ورومنسية، ومسلّحة بلوحة مفاتيح إلكترونية وبقلبٍ وبهذه الرغبة في حشد طاقة إيجابية تُحفّز الأشخاص على القيام بأعمال خيّرة وعظيمة وجميلة، ونَقْل هذه الطاقة إلى الآخرين. 

فجأةً، بنقرة واحدة، أصبح الأمل والتفاؤل وباءً مُعدياً.

لا تستطيع الكلمات أن تُحرّك الأمم، إنما بإمكانها أن تخفّف من أجواء الكآبة، وتلامس أوتاراً حسّاسة، وقد تتحول عامل تغيير. والأفضل هو المبادرات الملموسة؛ يبادر كل واحد على طريقته في لبنان كما في بلدان الاغتراب. نبقى أوفياء للبنان، ونظل على الدوام في خدمة الأرزة التي خانتنا تحت وابل القنابل، وألقت بنا بعيداً منها ومن عائلاتنا، وغيّرت مصيرنا بطريقة دراماتيكية. لقد أُرغِمنا على اختراع حياة جديدة من دون أن يُرشدنا أحد إلى السبيل للقيام بذلك.


أضعنا سنوات قيّمة من عمرنا كان يجب أن نمضيها إلى جانب أهلنا، وناضلنا وحيدين في بيئة غريبة، وسلكنا مساراً لم يرسمه أسلافنا، طريقاً مجهولاً وصعباً. عشنا المرض والموت والفشل والنجاح والفرح والحزن وحيدين، وذرفنا دموعاً ابتلعتها مياه المحيط الذي يفصل بيننا.

على الرغم من امتناني الشديد وحبّي الكبير لكندا، بلادي بالتبنّي، كان مصيري ليختلف تماماً في وطني الأم، شأني في ذلك شأن آلاف اللبنانيين في بلدان الاغتراب. وعلى الرغم من رغبتنا الحارقة في العودة إلى لبنان، إلا أن مصير الأولاد الذين جئنا بهم إلى هذا العالم في بلاد الغربة، يدفعنا إلى مواصلة التضحية. مات أهلنا بعيداً عنا، ويكبر إخوتنا وأخواتنا في غيابنا، ووطننا الأم يعاني معنا ومن دوننا.

لعل البلدان التي نقيم فيها والتي تحوّلت بلداننا بالتبنّي، تنعم بالإنارة والنظافة والأمن – مع العلم بأن العنف ينتشر في كل مكان في أيامنا هذه – وتسود فيها قوانين تؤمّن لنا الحماية (أحياناً)، لكننا لبنانيون أولاً وقبل كل شيء. المبادرات التي نقوم بها في بلاد الاغتراب لا تؤدّي إلى القضاء على الفساد في لبنان، وحملات اللوبي والدعم التي نخوضها في الخارج لا تُعيد التيار الكهربائي إلى المنازل في بيروت، لكن دورنا مهم.


لا وجود لـ"نحن" و"أنتم". هناك فقط لبنانيون. ونقطة على السطر. 


______________________________________________________________________________________




في الآتي، الترجمة الحرفية لـ"البوست" الذي نشرته السيدة لمياء شارلبوا على صفحتها في موقع فايسبوك وحاز تفاعلاً كبيراً من رواد الموقع: 


نعم، رأيتُ.

رأيتُ النفايات، وغلاء الأسعار، والبنى التحتية المترهّلة، والشعور بالمرارة لدى الجميع، والزحمة الخانقة، وأبواق السيارات الخارجة عن السيطرة، والفساد المستشري، والبطالة، والتسوّل، واستغلال السلطة، وغياب المعرفة، وانعدام الأمل.

لكنني رأيت أيضاً:

- معنى أن يُقيم الأشخاص حفلات في كل مكان وفي كل الأوقات

- حس الدعابة

- الإغواء المستمر: تشعر المرأة حقاً أنها امرأة

- الحب: حب العائلة والأصدقاء والإخوة

- الوطنية (مع شعور بالمرارة) لكنها حاضرة بقوة

- الرغبة في المساعدة حتى من دون أن نطلبها: "ولَك، لاااا، أنا أحضرها لك، لا تشتري شيئاً، حرام"

- GPS بشري أفضل من Google Map: "لَيْكي، روحي دغري دغري في مفرق عاليمين"... ثم يكمل: "ايه، ما تاخدي المفرق".

- السخاء: سخاء القلب، والمأكولات، والروح

- الفِكر: أحاديث قيّمة في الصالونات

- كرة القدم والحماسة المعدية لهذه اللعبة

- حب الحياة الفريد من نوعه وعيشه حتى الثمالة

- الغليان: ندخل المصعد ونحن نتناقش بصوت عالٍ، ونعبّر عن آرائنا علناً فيما نقوم بالتسوق في المتاجر، ونتشاجر بشغف في المقاهي، ونتكلم بصوت عالٍ ونحن نتحدّث مع أمنا عبر الهاتف، ونتلاقى ضاحكين ثم نفترق باكين.

- كل شيء ممكن: يرددون على مسامعك "منزبطا" و"ما تعتل هم". إنها إرادة المحاولة، وهي أجمل بكثير من القول: "كلا، لا نستطيع، إنها التنظيمات، إنها المنظومة..."، هذه العبارات التي تثقل كاهل الغرب.

- الشعور بالأمان العاطفي، لعلمِك بأن الآخر يرى الدمعة في عينك، ويفهم ما لم تقله، وبأن ذراعَيه مفتوحتان لمعانقة الآخرين.


رأيتُ خصوصاً:

بلداً مجروحاً إنما واقف على قدمَيه. شعباً منهكاً إنما سعيد. أجواءً ملوّثة إنما مليئة بالحب. رأيت لبناناً رائعاً مع كل مزاياه وعيوبه. لبناناً واقفاً على قدمَيه. لبناناً لا يجب التخلّي عنه، بل علينا أن نؤمن به، ونعود إليه.


سوف أعود. شكراً لوطني الأم.

__________________________________________________________________________-

* قامت الزميلة نسرين ناضر بترجمة النصين الى العربية. 



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم