الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

من الطائفية الى الوطنية اللبنانية الطائفية كنتاج، ولو سلبي، للحداثة

المصدر: "النهار"
Bookmark
من الطائفية الى الوطنية اللبنانية الطائفية كنتاج، ولو سلبي، للحداثة
من الطائفية الى الوطنية اللبنانية الطائفية كنتاج، ولو سلبي، للحداثة
A+ A-
التاريخ تخييل وتأويل القتال في لبنان انتهى، لكنّ الطائفية لم تنتهِ. بل ان مجرّد طرح هذه الملاحظة يحضّنا على التوقّف والتفكير في ماهية المسألة الطائفية. فمنذ انتهاء الحرب الأهلية ولبنان غارق في هواجس طائفية تعلن عن نفسها في الأداء السياسي والاداري والاجتماعي، وتكذّب الخطاب الرسمي عن انتهاء الحرب "بلا رجعة"، وتفرض علينا من ثمَّ مواجهة المشكلة الطائفية وعقيدتها بموضوعية. ولكن ايضاً بصدقية. وفي رأيي ان أهم ما نفعله هو فسح المجال امام رؤية صريحة نقدية تجرؤ على الاعتراف بالتباسات هذا التاريخ ورواسبه التي لن تزول بمجرد ادعاء الحكومة ان الحرب قد انتهت، وبمجرد عفوها عن مجرمي الحرب من كل الطوائف، واعلانها مشروع كتاب تاريخ موحّد، واعادة بنائها وسط المدينة المهدّم تحت شعار بسيط: "بيروت مدينة عريقة للمستقبل". التاريخ والتأريخ يتجاوزان السرد البسيط: انهما عبارة عن عملية مستمرة، واحياناً متوترة، لمواجهة الماضي بكل تعقيداته. ومن خلال هذه الممارسات التاريخية الصريحة سنكتشف مدى تكوين هويتنا السياسية والدينية والقومية - سواء أكانت هذه الهوية لبنانية ام فلسطينية، فينيقية ام عربية، درزية ام مارونية، مسيحية ام اسلامية، طائفية ام علمانية. فهذه الهويات جميعها ليست خاضعة للتطور والتغيير فحسب، بل هي في اساسها متخيّلة ايضاً الى حد بعيد. وهذه نقطة انطلاق ضرورية لأي مناقشة جدية لتاريخنا الطائفي. فعلى سبيل المثال حاولت باكورة دعاة الهوية "اللبنانية" العلنية ايجاد صلة مباشرة بين اللبنانيين والفينيقيين، ولكنها فشلت. وفي السياق نفسه، نجحت الدولة اللبنانية في خلق مقولة تستند الى ان الاستبداد التركي العثماني فرض على البلاد سُباتاً عميقاً تحرر منه "لبنان" في ظل الانتداب الفرنسي. بكلمات اخرى، الخيالية التاريخية قد تكون انتهازية او تقدمية، ناجحة او فاشلة، ولكنها ذات صلة حتماً بتكوين كل هوية جمعية. وهذا يقودني الى نقطة ثانية مهمة: وهي انه من دون الاعتراف بأن الماضي تأويل بمقدار ما هو حقيقة ثابتة، يبقى التأريخ الصادق بعيد المنال. المؤرّخون والطائفية في لبنان من هذا المنطلق اريد الدخول الى موضوع تاريخ الطائفية في لبنان. ذلك ان معظم المؤرخين الغربيين، وبينهم اسرائيليون، يدّعون ان الحوادث الطائفية - سواء أكانت حرب الستين، أي الصراع الطائفي الذي دار بين الموارنة والدروز في جبل لبنان عام 1860 (حرب البلية او "الكِلّة")، أم حادثة الشام في العام نفسه، ام حرب 1975 - تعكس نزعة عربية اسلامية تتجلّى في رفض المسلمين المساواة مع المسيحيين. أي ان هؤلاء المؤرّخين يزعمون ان العالم الاسلامي والعربي لا يستوعب الحداثة، الا انه الانتداب الغربي او الانظمة اللاديموقراطية السائدة في المنطقة تدفعه اليها دفعاً. غير ان مؤرخين لبنانيين يسرعون الى نفي هذه الرؤية الغربية في بعض ملامحها وتناقضاتها، فيكتبون، مثلاً، عن تاريخ التعايش بين الطوائف اللبنانية، ويصرّون على ان الحوادث الطائفية تعكس سياسات اقليمية وحسابات دولية هي التي اثارت الفتن في لبنان من خلال تمويل الاحزاب المحلية وتسليحها ودعمها سياسياً. اذن المؤرخون اللبنانيون، في شكل عام، يتعاملون مع ماضينا الطائفي وكأنه في صلبه نتيجة لسياسة معتمدة اجنبية - عثمانية في القرن التاسع عشر، واميركية اسرائيلية كيسينجرية في القرن العشرين - مبنيةً على اساس "فرّق تَسُدْ". وهذه الرؤية المحلية، التي كانت ولا تزال منهجاً رسمياً في المدارس، ترفض الادعاء الغربي ان لبنان (ومحيطه العربي الاسلامي) ليس قادراً على النمو المستقل وعلى مواكبة الحداثة، جاعلة من حربي 1860 و1975 عبرة للمواطنين اللبنانيين تحذّرهم من خطر الانقسام الداخلي والانحراف عن تراث التعايش المذهبي الذي يعكس - في افتراض اولئك المؤرخين اللبنانيين - ماهية لبنان. المهم ان الكثيرين من هؤلاء يزعمون ان الحرب الطائفية التي عصفت بالبلاد هي في اساسها حروب الآخرين على ارض لبنان. لكن المؤرخين الغربيين يعتقدون، في المقابل، ان الحروب لا بد منها في مجتمع شرقي مقسّم طائفياً. وهاتان الرؤيتان تبرزان نقاطاً مهمة: فالرؤية الغربية تشير الى مدى الانقسام الداخلي. والى وجود خطاب...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم