الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

أنغولا كانت نموذجا للتعاون الإستراتيجي مع السوفيات

المصدر: "النهار"
Bookmark
أنغولا كانت نموذجا للتعاون الإستراتيجي مع السوفيات
أنغولا كانت نموذجا للتعاون الإستراتيجي مع السوفيات
A+ A-
يتحدث وزير الخارجية الاميركي السابق جيمس بايكر في هذه الحلقة (41) عن دور الولايات المتحدة في نزاعات دولية عدة، يبدأها بالازمة التي نشأت بينها وبين كوريا الشمالية حول برنامجها النووي. ويقول ان الديبلوماسية الاميركية كانت تتمتع بسلاح سيكولوجي جديد هو الانتصار الذي احرز في حرب الخليج مما ارغم كوريا الشمالية على التفكير مرة اخرى. لقد لاحظت بيونغ يانغ ما يمكن ان تفعله التكنولوجيا الاميركية بالضبط وبالتالي ما يمكن ن تفعل بهم اذا لزم الامر. بعدها يتعرض لازمات دولية اخرى مثل الوضع في انغولا واطاحة النظام العسكري في هايتي. وينهي هذه الحلقة بالحديث عن احلال السلام في السلفادور. لا ريب في ان جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية، وهي اسم على غير مسمى، تعتبر اسوأ نظام وأردأه، على وجه البسيطة، ففضلا عن انها تمثل قوة عسكرية تقليدية لا يستهان بها في آسيا، فان تصميمها على بناء برنامج سري للتسلح النووي يجعلها اشد خطرا مما هي الآن. ومن المفارقات انه مع تلاشي خطر نشوب النزاعات مع نهاية الحرب الباردة فان شبح انتشار الاسلحة النووية اصبح يخيم اكثر من اي وقت مضى على اشد المناطق في العالم بعدا عن الاستقرار، ونعني بها شبه الجزيرة الكورية. وحتى في اللحظة التي قاموا خلالها بالتوقيع على معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية كان الكوريون الشماليون يصعّدون وتائر برنامج تطوير اسلحتهم النووية. وقد اصبحت ازدواجيتهم في هذا الموضوع موثقة على نحو مقنع من المفتشين الدوليين. وعلى رغم ان مسألة الخطر النووي الذي تمثله كوريا الشمالية، لم تحل بعد، فان بيونغ يانغ لم تعد تتمتع بالفرصة التي تتيح لها تحقيق مطامحها النووية دون عائق. وهذا في الدرجة الاولى، هو النتيجة المباشرة للديبلوماسية المكثفة التي لم تستلفت الانظار والتي انتهجتها ادارة بوش لارغام الكوريين الشماليين، بعد سنوات من المخاتلة، على التزام تعهداتهم وتوقيع اتفاق وكالة الطاقة النووية الذي يتضمن الضمانات المطلوبة. وعندما انضمت كوريا الشمالية الى معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية في كانون الاول 1985 اصبحت ملزمة التوقيع على هذا الاتفاق والسماح بالتفتيش على منشآتها النووية في يونغ بيون خلال 18 شهرا. وقد مضت ثلاث سنوات على ذلك في الفترة التي تسلمت بها ادارة بوش الحكم، وما زالت كوريا الشمالية لم توقع على الاتفاق بعد. وهكذا قمنا في مطلع عام 1989 بتفعيل استراتيجية ذات محورين، للتعامل مع هذه المشكلة. وقد امر الرئيس بزيادة حجم نشاطاتنا الاستخبارية لكي نكتشف على وجه التحديد ما كان الكوريون الشماليون يعتزمون القيام به في يونغ بيون. وفي الوقت نفسه صممت استراتيجيتنا الديبلوماسية على نحو يمكننا من تكثيف الضغوط الدولية على كوريا الشمالية لارغامها على الوفاء بتعهداتها المدرجة في المعاهدة وتوقيع اتفاق الضمانات الذي يسمح باعمال التفتيش. والحال ان الولايات المتحدة لم يكن لديها اي نفوذ تمارسه لكبح جماح نظام كيم ايل سونغ التوتاليتاري. لذلك فقد لجأنا الى معونة راعيي كوريا الكبيرين: الاتحاد السوفياتي والصين، للضغط عليها، وقد اثرت هذه المسألة في اول لقاءاتي وادوارد شيفاردنادزه الذي انعقد في باريس في29 تموز 1989، حيث ان الحكومة الاميركية يساورها الاعتقاد ان كوريا الشمالية "ربما" كانت تقوم بتشييد البنية التحتية اللازمة لبرنامج تسلح نووي يمكن ان يصبح فاعلا خلال فترة التسعينات. وطالبت ببذل "مجهود سوفياتي بسيط جدا" من اجل الضغط على الكوريين للتوقف عن عملية اعادة تصنيع البلوتونيوم والموافقة على ضمانات وكالة الطاقة النووية. فاجاب شيفاردنادزه بقوله: "اننا نعمل على انجاز هذا الموضوع الآن، انهم ينكرون القيام بتطوير اسلحة نووية". ولكنه وافق على شن حملة مشاورات على مستوى عال، من اجل تبين حقيقة الامر. وبعد مضي شهرين، وكان ذلك خلال اجتماعات ايلول التي انعقدت في وايومنغ على مستوى وزيري الخارجية، بدا شيفاردنادزه اقل تجاوبا من قبل. فقد قال لي بعدما اثرت المسألة مرة اخرى: "لقد سمعنا شكاواك من قبل، اننا نرفض التوقف عن ارسال الاسلحة (التقليدية) الى كوريا في وقت يوجد فيه هذا الحشد الهائل من القوات الاميركية في الجنوب". ومع ذلك وافق شيفاردنادزه على ان المحافظة على الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية مسألة شديدة الاهمية، كما وافق على الاستمرار في الضغط على الشمال من اجل التوقيع على اتفاق الضمانات. وخلال عام 1990 كنت اثير هذه المسألة مع شيفاردنادزه في كل اجتماع تقريبا. كذلك فعلت مع الصينيين. وقد ابلغني غيان كيشن وزير خارجية الصين، لدى اجتماعنا في واشنطن لمناقشة ازمة الخليج في 30 تشرين الثاني ان حكومته اثارت المسألة مع بيونغ يانغ مرارا، ولكنها انكرت بشدة ان تكون لديها اي نيات عدوانية. وكان الصينيون يدافعون عن الكوريين الشماليين ونياتهم اكثر مما كان يفعل السوفيات. وفي لقائي ورئيس الوزراء الصيني لي بنغ في بكين خلال شهر تشرين الثاني، حاول التقليل من شأن مخاوفي قائلا: "انا مهندس نووي، انهم لا يملكون القدرة على ذلك". ومع ذلك تعهد غيان كيشن في آخر مراحل زيارتي أن تستمر حكومته في ممارسة الضغط على الكوريين الشماليين من أجل الامتثال للضمانات التي تطالب بها وكالة الطاقة النووية. وسرعان ما بدأ التأثير المتراكم لديبلوماسيتنا الرامية الى عزل الشمال، يثمر مع السوفيات، ففي حزيران 1990 التقى ميخائيل غورباتشيوف رئيس كوريا الجنوبية روه تاي - وو في سان فرنسيسكو، في خطوة رمزية تنطوي على مقدار كبير من الازدراء حيال زبونهم في الشمال. وبعد ثلاثة اشهر اقام السوفيات علاقات ديبلوماسية مع الجنوب. وهكذا تعرضت بيونغ يانغ لمزيد من الضغوط، وعندما احجم الصينيون في وقت لاحق عن استعمال حق النقض (الفيتو) ضد دخول الكوريتين الامم المتحدة بات من الواضح ان استهتار الكوريين الشماليين بالحدود التي وضعتها وكالة الطاقة النووية كان يقودهم الى العزلة عن العالم. ومع مجيء عام 1991 كانت الديبلوماسية الاميركية تتمتع ايضا بسلاح سيكولوجي جديد وشديد البأس، واعني بذلك النصر المذهل الذي احرزناه في حرب الخليج، ولا ريب في ان استعراض القوة العسكرية الاميركية المرعب، خلال عاصفة الصحراء، ارغم بيونغ يانغ على التفكير. لقد لاحظ الكوريون الشماليون على نحو درامي ما يمكن ان تفعله التكنولوجيا الاميركية بالضبط، وبالتالي ما يمكن ان تفعل بهم اذا لزم الامر. ان كوريا الشمالية نظام قائم على القوة ومستمر بفعل القوة، لذلك فهو لا يفهم اي لغة اخرى. وهذه الحقيقة اصبحت الآن مفيدة لنا. فاذا استمر الكوريون الشماليون في التصرف كنظام خارج على القانون فانهم يخشون ان يضطروا في مرحلة ما الى جبه الولايات المتحدة. وفجأة بدأنا نتمتع بصدقية يعتد بها مع دولة لا تربطنا بها علاقات ديبلوماسية. وفي الوقت نفسه قدمت تجربة الخليج حوافز جديدة لهجومنا الديبلوماسي. فعقب الحرب بات من الجلي ان برامج العراق النووية والبيولوجية كانت اشد تطورا بكثير مما كانت تتصوره الاستخبارات الغربية سابقا. ونتيجة لذلك شددنا اجراءات المراقبة على مفاعل يونغ بيون النووي من اجل محاولة السيطرة على ما يحدث بالضبط. وعلى رغم ان الوضع لم يصل اطلاقا الى حد التفكير في توجيه ضربة عسكرية الى منشآت كوريا الشمالية النووية، فان البنتاغون اعاد التفكير مجددا بالخطط الطارئة والمتعلقة بمثل هذه الضربة التي تشتمل استعمال صواريخ "كروز" التي برهن اداؤها على فاعليته الشديدة خلال حرب الخليج. والحال ان الاستراتيجية الديبلوماسية التي انتهجتها الولايات المتحدةحيال الكوريين الشماليين، خلال هذه الفترة، كانت صورة مرآوية تعكس ما فعلناه خلال "درع الصحراء". وكما فعلنا في الخليج، فقد شرعنا مجددا في بناء تحالف دولي للضغط من اجل حل سلمي، بينما لوحنا بعقوبات الامم المتحدة في حال فشل العمل الديبلوماسي، واذا ما اخفقت هذه كلها، فان استعمالنا القوة في الخليج قمين بأن يعبر عن نفسه في تعاملنا مع بيونغ يانغ. وفي...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم