الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

حارس ليلي طارد قاتل الصحافي كامل مروّة في بيروت وأوقفه

المصدر: "النهار"
أنور يحيى- قائد سابق للشرطة القضائية
حارس ليلي طارد قاتل الصحافي كامل مروّة في بيروت وأوقفه
حارس ليلي طارد قاتل الصحافي كامل مروّة في بيروت وأوقفه
A+ A-

أسس الصحافي كامل مروة (1915 -1966) جريدة الحياة البيروتية ضمن مكاتب جريدة النهار عام 1946، ثم ما لبث أن أسس جريدة الدا يلي ستار Daily Star عام 1952 في بيروت، مدينة الثقافة والحرية، حيث الجامعة الأميركية ومستشفاها في محلة رأس بيروت، محجة طالبي الطبابة الراقية ونيل الشهادات الجامعية المعتبرة، وملتقى الفارّين من وجه الثورات والتأميم وتسلّط الأنظمة التوتاليتارية. سلك الصحافي كامل مروة سياسة تلاقت مع سياسة المملكة العربية السعودية، التي كان القسم الأكبر من أثريائها يصطافون في لبنان، واحة الحريات والنظام الديمقراطي. 

برزت سياسة جريدة الحياة، بانحيازها إلى دعم المملكة بوجه الرئيس جمال عبد الناصر، الزعيم العربي الأقوى في حينها، في الحرب باليمن في العقد السابع من القرن العشرين.

في ربيع العام 1966، وفي خطاب أمام الجماهير المصرية، وبقصد رفع المعنويات بوجه إسرائيل، مغتصبة فلسطين في العام 1948، طمأن الرئيس جمال عبد الناصر الأمة العربية بأنه أصبح لدى الجيش المصري قوة جوية هائلة وسلاح روسي متطور يمكنه السيطرة على سماء الوطن العربي كله والقدرة على محو دولة إسرائيل بسرعة!

علق الصحافي كامل مروة في جريدة الحياة قائلاً: إذا كان لديك هذه القوة والسيطرة الجوية، ماذا تنتظر لمحو وتدمير دولة إسرائيل واسترداد الأرض المغتصبة من سكانها الحقيقيين؟ وهل عبد الناصر نمر من ورق؟

مساء السادس عشر من شهر أيار سنة 1966، وبينما كان الصحافي كامل مروة يكتب مقالته اليومية في مكتبه، في الطابق الأول من مبنى الجريدة في محلة الخندق الغميق ببيروت، فؤجى برجل يدخل، دون أن يعلمه عامل الهاتف الذي يدعى محمود، الذي التحق بعمله منذ أقل من شهر في الجريدة، بناء لتوصية من أحد المسؤولين. قدم هذا الشخص الغريب رسالة إلى مروة، وعندما باشر بفتحها وقراءة محتواها، أطلق هذا الغريب رصاصة من مسدس كاتم للصوت، كان يخفيه تحت سترته، وأصابت صدر الأستاذ كامل مروة، الذي نهض وتوجه نحو المسلح الذي أطلق رصاصتين لكنهما أخطأتاه، فدفعه بقوة نحو زجاج النافذة، حيث انهار وتسبب بإحداث صوت قوي ليلاً.. وقع مروة أرضاً متأثراً بنزيف حاد في قلبه، نتيجة الإصابة، فيما نزل مطلق النار بسرعة إلى المدخل يسأل عن صديقه العامل محمود، الذي سهّل دخوله إلى مكتب رئيس التحرير، فلم يجده، فتدافع الصحافيون العاملون في المبنى إلى مكتب مروة لتفقّده، فيما خرج مطلق النار لإيجاد سيارة أجرة، بعدما فقد أثر محمود الذي كان ينوي اصطحابه إلى السفارة المصرية في محلة الرملة البيضاء وفقًا لما هو مخطط مسبقاً.

أخذ الناس يصرخون: حرامي، حرامي. في هذه الأثناء مرت سيارة أجرة، أوقفها مطلق النار الذي ترك مسدسه الذي سقط منه في غرفة رئيس التحرير وكذلك الرسالة بين يدي مروة، الذي راح ينزف بغزارة بسبب إصابته برصاصة في القلب.

في ذلك الوقت من العام 1966، كانت بلدية بيروت تستخدم حراساً ليليين توزّعهم في شوارع العاصمة، فتبدأ نوبة الحراسة عند الساعة السادسة مساء وحتى الثانية عشرة ليلاً، والنوبة الثانية من منتصف الليل حتى الساعة السادسة صباحاً، بدون أن يحمل الحارس سلاحاً، بل عصا خشبية. وكان كل حارس يتفقد أثناء نوبته أقفال أبواب المحلات التجارية والمؤسسات المطلة على الطريق العام، ويقلب القفل تأكيداً لمروره. أما في النوبة الثانية، فيعيد الحارس الليلي القفل إلى وضعه الطبيعي، إثباتاً لتأدية خدمته المقررة. ويخضع هذا التدبير إلى مراقبة المفتشين من مخافر شرطة العاصمة، حيث تسيّر الدوريات السيارة من قبل الفرقة 16، وقد تتمركز هذه الدوريات وفقاً لأوامر الرؤساء لمؤازرة الحراس الليليين وباقي دوريات الشرطة في المدينة.

سمع أحد الحراس الليليين صراخ الناس على "الحرامي" الذي استقل سيارة الأجرة وانطلق. فأوقف الحارس أول سيارة خصوصية مارة بالمكان، وطارد اللص وأدركه في محلة المصيطبة. نزل الحارس الليلي، الذي يدعى رفيق، ومن دون سلاح، انما فقط بثياب الحراس الليليين، وبسرعة أوقف الحرامي واستعان بدورية من الفرقة 16 التي كانت تتجول في المصيطبة، فقيدوه بعد تفتيشه، ونقلوه إلى موقع الجريدة للتحقق من السرقة، فتبين أن الصحافي كامل مروة قد أطلقت عليه النار من هذا الشخص، ونقل إلى مستشفى الجامعة الأميركية بحالة الغيبوبة، وما لبث أن توفي بعد 24 ساعة من الحادث. طلبت دورية الطوارئ تعزيزات بعد محاولة موظفي الجريدة الانقضاض على مطلق النار، الذي تبين أنه قاتل وليس سارقاً. وأحال مجلس الوزراء هذه القضية إلى المجلس العدلي، وعين القاضي أمين الحركة محققاً عدلياً الذي باشر مهمته على الفور. وتبين أن القاتل يدعى عدنان سلطاني، وتم تدريبه في حرج عرمون على استخدام المسدس الكاتم للصوت، برفقة زميله محمود، الذي باشر عمله في الجريدة كعامل هاتف، لتسهيل دخول عدنان إلى مكتب مروة دون لفت الأنظار.

تطابقت بصمات عدنان مع البصمات على قبضة المسدس المتروك في مسرح الجريمة، ما يثبت تورطه بالاغتبال الذي حرضه عليه الرجل الناصري الأول في بيروت: ابراهيم!

حكم على عدنان وجاهياً بعقوبة الحبس مدى الحياة، لكنه فر من سجنه أثناء حرب السنتين، وتبين تورط المخابرات المصرية في حينها بعملية اغتيال كامل مروة. وقد قال اللواء عبد الحميد السراج، المشرف على العمليات الخارجية المصرية: إن هناك سببين لانكشاف العملية وتوقيف عدنان سلطاني هما:

1- عدم تأمين سيارة لنقل عدنان، بعد تنفيذ الاغتيال بسرعة إلى السفارة المصرية التي تتمتع بالحصانة، لا سيما في زمن نفوذ اللواء عبد الحميد غالب، سفير مصر في بيروت.

2- شجاعة الحارس الليلي، غير المسلح، ويقظته واندفاعه المتفاني لمطاردة السيارة التي نقلت القاتل من مكان الجريمة.

هنأ رئيس البلدية الحارس الليلي ليقظته ومطاردته القاتل، مغامراً بحياته بتوقيفه وسوقه إلى العدالة.

إن العام 1966 كان عام الأزمات الاقتصادية والمالية في لبنان (انهيار بنك أنترا)، وتغلغل أجهزة الاستخبارات المصرية والسورية وغيرهما، لمطاردة وملاحقة المناوئين لأنظمة الحكم في تلك الدول الذين يقصدون لبنان للإقامة والتمتع بحرية الرأي والتعبير، لكن يقظة عناصر الأمن وتضافر الجهود داخل جهاز الأمن المشترك، برئاسة النقيب سامي الخطيب، من ضباط الشعبة الثانية في حينه، وجدية مراقبة الحراس الليليين من قبل شرطة العاصمة، وهيبة الفرقة 16 التي نشرت الذعر في نفوس المجرمين والمشاغبين، ساهمت بتراجع نسبة ارتكاب الجرائم، وبات الوطن أكثر أمناً.

إن تعاون الحراس الليليين في البلديات إجمالا وبيروت بالتحديد، مع الشرطة النظامية المسلحة والتي تحقق بالجرائم وتلاحق المطلوبين، وتحفظ الأمن، يساهم في الوقاية من الجريمة وانخفاض معدلاتها من ضمن الضابطة الإدارية التي تهدف إلى منع حصول الجريمة، وسرعة توقيف الجناة، في سياق تنفيذ مهامها كضابطة عدلية تمارس إجراءاتها بإشراف النيابة العامة المختصة.

والسؤال: لماذا لا تحيي بلدية بيروت الآن نظام الحراسة الليلية في العاصمة وتكلف ضباط شرطة بيروت العاملين ضمن قوى الأمن الداخلي، بالإشراف على انضباط عمل هؤلاء الحراس، كما كان سابقاً، فيطمئن سكان العاصمة لوجود الحارس الليلي المتجول بين الأحياء، والمدعّم بدوريات فوج الطوارئ، المزودة بأحدث الآليات والتجهيزات؟ وبذا يمكننا أن نتصدى للخروقات الأمنية بشكل أفضل، شرط أن تقتنع القوى السياسية وأصحاب النفوذ، أن أجهزة الدولة وحدها هي المسؤولة عن الأمن ومكافحة الجريمة والمحافظة على السلامة العامة للمواطنين؟

لماذا لا يمكننا استغلال إمكانات البلدية من قبل الشرطة في العاصمة، أو خارجها، وتعاونهما من أجل إضاءة الشوارع، ونصب الكاميرات، ونشر الدوريات البلدية والحراس الليليين، ما يعزز نظرية الشرطة المجتمعية التي تسعى قوى الأمن الداخلي إلى اعتمادها قريباً، حيث المواطن هو الشرطة والشرطة هي المواطن، بدلاً من النظام الحالي المتّبع منذ القدم، والأقرب إلى المجتمع العسكري والتراتبية الصارمة، بدلاً من نظام تكامل المجتمع والشرطة والبلدية، كذاك المعتمد في الدول الأوروبية، في سبيل لبنان أكثر أمناً وسلاماً وازدهاراً؟


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم