الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

المذكرات غير الرسمية لأليغ بريسيبكين

المصدر: "النهار"
Bookmark
المذكرات غير الرسمية لأليغ بريسيبكين
المذكرات غير الرسمية لأليغ بريسيبكين
A+ A-
من الكتب التي استمتعت بقراءتها في هذه الفترة كتاب "المذكرات غير الرسمية" (*) لمؤلفه سفير اتحاد روسيا أليغ بريسيبكين. والتسمية التي شاءها المؤلف السفير تهدف الى ابعاد الكتاب عن الصفة الديبلوماسية، لتضعه في عداد المصنّفات التاريخية او الاجتماعية، او السياحية، او سمِّه ما شئت من هذا النوع، وما في الامر غرابة. فليس مفترضاً في سفير بلد اجنبي ان يكون ديبلوماسياً، وكفى، ولاسيما اذا كان البلد عربياً، والسفير روسياً. ونحن نعلم مدى حرص روسيا ومنذ زمن بعيد على ان يكون سفراؤها المعتمدون في البلدان العربية، ولاسيما لبنان على معرفة باللغة العربية. اما مستشرقوها فحدِّث ولا حرج عن مدى تضلّعهم في هذه اللغة، بحيث اضحى نفر منهم اعضاء في مجامع اللغة العربية. وهذا ما ساعدهم على فهم مخاطبيهم، والتفاهم معهم، وعلى التعمّق في معرفة خصائص البلاد ومميّزاتها المختلفة. واذا كان السفير مستشرقاً مثل أليغ بريسيبكين وموهوب بالكتابة فإنه سوف يتفاعل حكماً مع الاوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية والعلمية التي ينتج عنها آثار فكرية، ومصنّفات تفيد بلاده وتساهم في إغناء الثقافة العربية. وهذا ما جرى بالضبط لبريسيبكين عندما وضع كتابه. الكتاب في سبعة فصول، او في سبع لوحات إن شئت، فيها الممتع والمفيد. وهي كناية عن جولات سياحية، قام بها المؤلف في الجغرافيا وفي التاريخ، وفي الاسطورة. فنقل الى قرّائه تجربة ذاتية سياحية، فكرية تمتزج فيها المعرفة بدقة الملاحظة. ويخرج منها القارئ بزادٍ ثقافي وعلمي وفير، ومتعة كبيرة. ولا بد من الاشارة الى ان السرد يطغى في الكتاب وليس فيه مواقف شخصية مثيرة الا الاشارات العابرة التي تقتضيها المواقف. وقد يكون هذا الامر مقصوداً على الارجح. اما الفصول فهي الآتية: 1-لبنان اساطير وحقيقة. 2- الموصل مدينة الحبوب. 3- فصل السنة الخامسة. 4- شبه جزيرة سيناء: في دير القديسة كاترينا. 5- زيارة بنغازي. 6- بعد ثلاثين عاماً. 7- قلب الصحراء السخيّ. وتتقدّم هذه الفصول، مقدّمة ممتعة للاستاذ غسان تويني، صاحب جريدة "النهار". لن استفيض في الكلام، فالامر ساعتئذٍ يطول ولاسيما إنني مكره على تناول كل فصل في ذاته لاستقلاله عن سواه. ولكنني سأتقرّى الكتاب بلمسٍ عابر، على لغة البحتري، في وصف ايوان كسرى، واتوقف عند نقاط محدّدة، تساعد على الاثارة، اثير فيها فضول القارئ فيعود الى الكتاب. والفصول السبعة تتناول لبنان، واماكن من بلاد العرب. وهي ليست تاريخاً، وليست بحثاً اجتماعياً، وليست بحثاً في الثقافة والفكر، وليست بحثاً سياسياً بحتاً. وانها شيء من هذا كله. ولكنها لا تتبع نسقاً واحداً في تناول الموضوع، وإن اعتمدت اسلوباً واحداً في السرد. وهي، في كل حال، تعرّف بسائحٍ عالم، دقيق الملاحظة حاد البصر، متيقّظ البصيرة. فالفصل المخصّص للبنان مثلاً، سياحة في شعاب التاريخ والاسطورة بل قل الاساطير، يضفي عليها اليغ بريسيبكين ظلالاً من التشويق، بحيث يخيّل اليك، او تقتنع بأن هذا الروسي يعرف تاريخ لبنان واساطيره اكثر من كثير من ابناء لبنان المشتغلين بالثقافة. فيجمع بين اصول اللبنانيين الاتنية ويرسم سبل قدومهم الى لبنان، مواطنين قاطنين، وسبل انطلاقهم منه الى انحاء المعمورة تجاراً، وبناة مدنٍ، وناشري حضارة، وبين الحملات العسكرية والفتوحات التي استهدفتهم، وما لاقوا من عنت وما اظهروا من بطولات. اما كلامه على الاماكن الاخرى من بلاد العرب، والتي يتناولها بشيء كثير من اللمح، وبشيء كثير من الافادة في آن واحد، فيلامس التاريخ ويغوص في وصف التقاليد الاجتماعية، وفي وصف الاشياء التي يقع عليها بصره ويربط الاحداث التي توحي بها المواقف بعضها بالبعض الآخر. والوصف، على ايجازه، ينمّ عن قدرة اخّاذة في نقل الصورة الى الآخرين، وهي صورة مجرّدة في غالب الاحيان، ولكنها مشوّقة، مشرقة، نابضة بالحياة. وتحمل احياناً اشياء من عاطفة كاتبها. ففي بحثه مثلاً "الموصل مدينة الحبوب" نقع على مقاطع كثيرة، من هذا النوع، مثل المقطع الوارد في الصفحة 30 من الكتاب وفيها "زرت الموصل للمرة الاولى في الخريف فكانت اوراق الاشجار تتساقط في بساتين الفستق، وفي...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم