الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

النصر لا يعني الحياة... بعض النصر موت

جلنار
النصر لا يعني الحياة... بعض النصر موت
النصر لا يعني الحياة... بعض النصر موت
A+ A-

من الغموض نخرج إلى الحياة، ومن الحياة نرحل إلى الموت، وبين الشكوك نحيا ونتوارى خلف ثِقَل العبث. زحام النقيض يُنصِّب نفسه علينا، لم يعد في وسع الأيام تصدي قذائف الذهول، فلكل فجر نشيده. 

بهذا الهوس، تناقل الإعلام حكايا عن الحياة وأخرى عن الموت، تشبه رقص الريح الثائر مع السكون. إحداها عن سيدة يابانية تجاوز عمرها الثمانين اختارت أن ترقص على منصة المسرح قبل أن تلقي خطاباً ألهمت فيه الحضور، وروت خلاله كيف أطلقت بنفسها تطبيقاً الكترونياً للهواتف الذكية يهتم بمهارات التواصل بين كبار السن، تلك السيدة بدأت رحلتها الاستكشافية في عالم التكنولوجيا بعد تقاعدها في عمر الستين، حين امتلكت أول جهاز كمبيوتر وامتلكت به كما تقول عالماً جديداً، جعلها تحلق فوق تلة أحلامها، تلك السيدة التي لا تعرف من الوقت سوى البداية ومن الحياة سوى الوجود، استطاعت أن تفك شيفرة الخلود، وتهزم أرقام العمر بنجاحها.

ويشببها بالنسيان، نسيان الهزيمة، رجل صيني مبتور الساقين، يصل أخيراً الى قمة افترست، بعد عدة محاولات سابقة، وبعد أن كادت القوانين أن تقف أمام حلمه الوشيك، حين صدر قرار بمنع مبتوري الساقين من تسلق جبل ايفرست، ثم ألغى القضاء القرار حتى لا يخلق حالة من التمييز بين الراغبين بالمشاركة. حاصره الإصرار منذ محاولته الأولى قبل أربعين عاماً التي انتهت ببتر ساقيه إثر تعرضه لنقص الأوكسجين بسبب تدني درجات الحرارة، وتكررت بعدها محاولاته حتى وصل الى القمة بظل ساق حفرت نصره علـى تجاعيد الصقيع، وأوجز إصراره ببضع كلمات “تسلّق قمة إيفرست حلمي وعليّ أن أحققه. هو تحد شخصي”.

لكن النصر لا يعني الحياة، فبعض النصر موت، “لست سعيداً، أريد أن أموت، آسف لأنني وصلت إلى هذا العمر”، هكذا برر العالم الاوسترالي يفيد غودال قراره بالموت، رغم كل انجازاته العلمية، لأن حياته لم تعد كالسابق وأضحى الضجر رفيق سنواته الأربعة بعد المئة، مورثاً وطنه لوماً كبيراً لأنه لم يجعله يموت على أرضه فالقوانين في بلاده لا تجيز القتل الرحيم، مما اضطره للسفر الى سويسرا، طالباً الموت بحقنة قاتلة على أنغام موسيقى السيمفونية التاسعة لبيتهوفن.

كثيرون تستوقفهم الأرقام لا العبر، تشي لهم الحياة بقلة حيلتها وقصر عمرها، فيتوهون في فضاء العمر، ويمضون خلف خيط رفيع من سراب يائس، هم المحرومون من الحياة رغم حياتهم. أما الناجون من شركها هم الذين يقودون الوجود عند انعطاف دقات الزمن، حتى الموت بامكانهم اعادة تشكيله كلوحة سريالية استثنائية البُعد.

الحياة ثقافة فاتنا الكثير من عمق فلسفتها، فقد اعتدنا أن نتلقى السائد والدارج منها لا أكثر، والموت غموض يرمي ظله علينا متى شاء دون إنذار مسبق فيذعرنا ذكره، وندرة فقط يسعون اليه كتجربة لم تعلمهم اياها الحياة، والأكثر حيرة أولئك الذين يعيشون حياتهم كأنها متسع للموت.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم