الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

خيطان ذهب ماجد بو طانوس: الإبداع الكنسي الماروني وصل إلى أميركا

المصدر: "النهار"
هالة حمصي
هالة حمصي
خيطان ذهب ماجد بو طانوس: الإبداع الكنسي الماروني وصل إلى أميركا
خيطان ذهب ماجد بو طانوس: الإبداع الكنسي الماروني وصل إلى أميركا
A+ A-

"تيجان من الذهب الخالص"، وايضا بدلات كنسية بـ"خيطان ذهب"، من لبنان الى الولايات المتحدة، مرورا بإيطاليا. رحلة يحمل خلالها مصمم الازياء اللبناني ماجد بو طانوس قرونا فنية وكنسية عدة، يكتبها بإبرة من ذهب، في قطع لا مثيل لها، مطعّمة بجزء من التاريخ. "اريد ان اظهر ان لدى الموارنة فنًّا يجب ايصاله الى العالم، واننا لسنا مجرد متلقين، بل صانعي فن ومصدّرين له ايضا"، على قوله لـ"النهار".


غلاله ثمينة. بدلات كنسية وتيجان حبرية منسوجة بالتاريخ، منذ القرون الوسطى، مع دعوة ملحة إلى القراءة. "من لا يقرأ التاريخ، لا يعرف ان يقرأ الحاضر والمستقبل. ومن ليس له تاريخ، لا حاضر له، ولا مستقبل"، على ما يضيف. التاريخ يقيمه من غياهبه، ينسجه في معروضاته، يصهره بها، ويستعيد رائحته ربيعا. حمل اي منها يعني ايضا حمل قطعة عمرها قرون عدة. "ما يعلمني اياه التاريخ هو الغنى، الانصهار في العمل الفني والخبرة".  


11 تموز 2018 في هيوستن بولاية تكساس، ضمن المؤتمر الرسولي الوطني للموارنة. 31 ايار في جامعة الحكمة ببيروت، برعاية رئيس اساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر. و22 منه في المدرسة الحبرية الماورنية في روما، برعاية رئيس مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال ليوناردو ساندري. ثلاث محطات يخيّط فيها بو طانوس هذا التاريخ الذي أغناه، ويفرش تفاصيله الأصلية على حصاده من التيجان والبدلات المدهشة بجمالها، لتليق بالعرس... وكانت منها ايضا هدايا بابوية: بدلة للبابا بيندكتوس السادس عشر، وتاج للبابا فرنسيس.   


مصادفة 

بتصميم الازياء النسائية، بدأ بو طانوس مسيرته المهنية. "لكن عندما رأيت ان الحركة العالمية في تجارة الازياء الراقية، تتجه الى الملابس الجاهزة، بسبب الاوضاع الاقتصادية، قرّرت ان أسلك مسارا مختلفا". تخصّص بتاريخ الازياء والمسرح والتلفزيون، و"أوليت هذا المجال اهتماما كبيرا، خصوصا ان ثمة حاجة في لبنان الى اختصاصيين بالأزياء المسرحية والتلفزيونية".


"مصادفة" جميلة جعلته يصمّم بدلة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في تنصيبه عام 2011. وقد حملت يومذاك الشعار الذي اختاره لحبريته: "الشركة والمحبة"، بتفاصيل رسمها بو طانوس، ويتذكرها جيدا. "تضمن الشعار الارزة، لان الصدّيق كالنخل يزهر، وكأرز لبنان ينمو. ومنها، يخرج غصنا نخل في شكل 77. فالراعي هو البطريرك الـ77. ويرمز ايضا هذا الرقم الى اليوبيل، الى الكمال، بما يعني ذلك من وفرة الغلال، اي القمح. هناك ايضا التاج الحبري، والصليب الانطاكي رمزا لبطريركية انطاكية، اضافة الى العصا الرعائية، عصا الراعي، وحمامة تحمل غصن زيتون رمزا للبشرى السارة". الخلفية كرة ارضية انغرس فيها الصليب وعصا الراعي، "دلالة على ان الموارنة منتشرون في كل ارجاء العالم، وهم تحت قبة بكركي وسقفها".  


أوّل تصميم كنسي وقّعه بو طانوس. الشعار الذي صمّمه لبدلة البطريرك الراعي "اصبح المعتمد في كل المطبوعات الرسمية للبطريرك. انه شعاره الخاص". بعد نحو اسبوع من التنصيب، حمل البطريرك الى الفاتيكان بدلة ثانية من تصميم بو طانوس، هدية الى البابا بيندكتس السادس عشر. "كانت بدلة لاتينية، ولكن بتطريز ماروني شرقي. واعتمدت لها منمنمات من انجيل رابولا السرياني، مع الصليب الماروني".  

تصميمان أجّجا فجأة حشرية بو طانوس تجاه "هذا العالم الكنسي والليتورجي" الكاثوليكي، على قوله. شمّ فيه رائحة تاريخ، لطالما جذبته ودفعته الى تحقيق مشاريع مميزة، منها وضع كتاب عن "تاريخ الازياء اللبنانية". ولان التاريخ يتحدّد ايضا، في رأيه، من خلال "لباس الجنود، وايضا رجال الدين"، تخصّص باللاهوت، تمهيدا لبحث تاريخي آخر في الازياء المارونية.  


الى روما  

بعد البدلتين البطريركية والبابوية، قادته الطريق تلقائيا الى روما. "أردت ان أطّلع على الاثواب الكنسية". هناك وجد عالما آخر لها. "انه فن، فن بالفعل". وأُصيب بـ"شغف غير طبيعي دفعني الى ان اتعمّق اكثر في هذا المجال"، على قوله. سفراته توالت الى روما، وتكثفت زياراته للمتاحف، "لأفتّش واطلع اكثر على هذا الفن"، اضافة الى كتب كثيرة تراكمت على مكتبه، "وقرأتها لأعمق معرفتي وأجري مزيدا من الابحاث". ومضى في رحلة طويلة في تاريخ الكنيسة والفنون. متعة.


هذا الشغف قاده الى شغف آخر. "البحث في كل ارجاء العالم عن بدلات كهنوتية قديمة"، لما تحتويه من تاريخ كنسي وفني. طوال نحو اربع سنوات، "جمعت نحو 35 بدلة قديمة جدا"، استخدم من بعضها المترهل زخارف اثرية ليطعّم بها بدلات كنسية مارونية، او أخضعها لعملية ترميم مشوقة. وكانت الحصيلة معرضاً فريدا استضافته الجامعة الانطونية العام الماضي (2017)، برعاية البطريرك الراعي. واختار له بو طانوس عنوان: "خيط من ذهب على مرّ الزمن". "كان معرضا لفن بدلات كهنوتية لاتينية ابتداء من القرون الوسطى، مع وضعها في إطارها التاريخي، ولكن على بدلات ذات طابع ماروني".    

"تيجان من الذهب الخالص" 

سنة تمر، ويخرج هذه المرة من مشغل بو طانوس 40 تاجا حبريا بخيطان من ذهب، تحمل في تفاصيلها "فن منمنمات صغيرة". معرض "تاج من الذهب الخالص"، وايضا الحرير، استقطب زوارا مهتمين. وكل قطعة حكاية كتبها بو طانوس بقلم ولهان. وفي الحصيلة، "نسج استثنائي من فنون العصور الوسطى حتى الزمن الذهبي للكنيسة في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر. وقدمت من كل حقبة ما تميّزت به".


التاج الذي يصفه بـ"الملك" يعود أسلوبه الى القرن الثامن عشر. "في التطريز، كانوا يمزجون خيطان الحرير الملونة بخيطان قصب ذهبية". يتابع الشرح حول "القديس الواقف"، اذ "كانوا في العصور الوسطى يركزون على الشخص الكامل". علو التاج "يرتفع، او ينخفض قليلا"، وفقا للحقبة. كذلك الامر بالنسبة الى الشكل.    


حقبات زمنية غاص فيها، درسها اسلوبا وفنا كنسيا، ليخلص الى ان "الاسلوب القديم كانت فيه ضخامة أكبر وغنى أكثر". "الشعوب القديمة اعتبرت ان الملابس الليتورجية تعبّر عن صورة الملوكية في الكنيسة. لذلك نجد عليها احجارا كريمة وذهبا ولآلىء"، على ما يشرح. في الحقبة التي تبعت المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965)، "أصبح الأسلوب أكثر بساطة، مع التخلي عن الجواهر الكريمة".  

[[embed source=instagram id=https://www.instagram.com/p/BjUn28pnT5d/?hl=en&taken-by=magedboutanos]]

العرس 

ايا يكن، تبقى رؤية بو طانوس الى اللباس الليتورجي الكاثوليكي انه "اللباس الذي يرتديه الكاهن او الاسقف خلال احتفاله بالذبيحة الالهية، او العرس السماوي على الارض، مع ما يوجبه ذلك من ان يكون لباسا لائقا للغاية، على قدر اهمية المناسبة، وفي الوقت نفسه نحافظ من خلاله على التقليد". بالنسبة اليه، لا يمكن فصله عن الفن. "عندما ننظر الى كل بدلة او تاج، ننظر اليهما فنيا، ونقيّمهما ايضا فنيا" عبر تطور التاريخ.


في خزائن بو طانوس، قطع فريدة وقّعها بإبرة مولعة، وزيّن عددا منها بحجارة ايضا نصف كريمة صُقِلت على الطلب. في عينيه، كل قطعة "ارتجاع فني الى العصور السابقة، انطلاقا من رؤية فنية لمصمم من القرن الحادي والعشرين"، "دمج بين التاريخين الماضي والحاضر".    

ابتكارات ببصمة خاصة تجمع "المقدسات والمدنسات في فن واحد". نعم، "احب هذه الفكرة"، على قوله. والمخيلة تحلق بعيدا. ما يتشوق اليه في المستقبل هو مزيد من التصميم في المجال الكنسي، لأزياء المعمودية، هذه المناسبة التي تمثل "ولادة مسيحية"، على قوله. الفكرة جاهزة، وبدأت شرارات الابداع تتأجج، في انتظار ساعة الصفر، ساعة الولادات السعيدة. في ذلك المشغل، ينكب فريق عمل مكوّن من 8 أشخاص على انجاز المهمات، وتضجّ الخزائن بالعرس.  

[email protected]


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم