الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

تحرير النّظام؟

المصدر: "النهار"
د. ميشال الشمّاعي
تحرير النّظام؟
تحرير النّظام؟
A+ A-

يواجه لبنان منذ تسعينيات القرن الماضي وحتّى يومنا هذا، بعد كل استحقاق أزمة في ترجمته سياسيًّا، ليصبح بعدها في مرحلة تطوير وتحديث للقوانين والتشريعات من السلطة التشريعية، وتنفيذ هذه القوانين والمراسيم من السلطة التّنفيذيّة. ولعلّ أن مسألة انتخاب رئيس الجمهوريّة التي دامت لأكثر من عامين، إضافة إلى الفترات الطويلة التي يستغرقها الرئيس المكلّف لتشكيل حكومة، هي أكبر دليل على قصور النظام السياسي المعتمد في تلبية تطلّعات اللبنانيين، فهل من يجرؤ على عملية نهضة لنظام الحكم في لبنان؟

بعد اتّفاق الطّائف وتسليم لبنان الى الاحتلال السوري، قوّض هذا الاتّفاق بعدم تطبيق بنوده كافّة، من مسألة حصر السلاح بيد الأجهزة الشرعية للدولة، والقرار الاستراتيجي، وصولاً إلى تطبيق اللامركزيّة الإداريّة. أمّا اليوم، وبعدما تحرّر لبنان من الوصايات التي فرضت عليه، فيجب العمل على تطبيق هذا الاتفاق أولاً بغرض تطويره بشكل لا يسمح بإدخال البلاد تحت سلطة محتلٍّ أو وصيٍّ أوكل مهمّته بعد رحيله إلى فئة من اللبنانيين.

من هنا، يفصّل اتفاق الطائف النّظام من الناحية الإدارية التي لا خلاف حولها في أيٍّ من بنودها. فمن منّا لا يطمح الى أن ينمو ريفه أو جبله ليستقرّ بعيدًا من ضوضاء المدينة؟ لكن ما يفتقر إليه هذا الاتّفاق هو الصّيغة السياسيّة التي لن تصمد كما هي بعد اليوم بفعل التبدّلات الجوهريّة التي شهدها لبنان في القرن الأخير.

لبنان بلد تعدّدي يجب أن يحكم بنظام مركّب على قياس هذه التعدّديّة من دون تغليب أيّ مجموعة حضاريّة على سواها. لن ندخل في التسميات، فالموسوعات السياسية حافلة وزاخرة بهذه النّماذج. ولعلّ النّظام النّسبي الذي طبّق في الانتخابات النيابيّة الأخيرة يشكّل مدخلاً لإخراج لبنان من قمقم التّجاذبات الفئويّة، وسيطرة الأقوى على الأضعف، وعيش فئة أو منطقة على حساب أخرى.

لقد شكّل قانون الانتخاب النّسبي، بغض النظر عن بعض الأخطاء الذي نتج بعد تطبيقه، أو حتّى الشّوائب التي بيّنت في مرحلة التّطبيق وما بعده، المدخل الرّئيسي إلى شكل النظام الذي يجب أن يعتمد. لذلك على القوى السياسيّة ومجلس النواب الجديد الذي أفرزته الإنتخابات النيابيّة الأخيرة الإكباب على العمل للحفاظ على دستور البلاد، من خلال التّطبيق الإداري الذي نصّ عليه الطّائف أوّلاً، ومن خلال صيانة الدّولة القادرة القويّة، وصولاً إلى إنتاج جمهوريّة قويّة مميّزة في محيط جيوبوليتيكي يشهد انفجار أزمات حكم وأنظمة. ولعلّ هذه الطريقة هي الوحيدة التي ستقي لبنان من الانزلاق إلى مزيد من الأزمات التي قد يدفع ثمنها غاليًا لكونه لا طاقة لديه للتحمّل لا اقتصاديًّا ولا حتّى اجتماعيًّا.

بناء عليه، المنظّرون كثر، لكن السّاعين إلى تثبيت كيانيّة هذا الوطن المركّب ووجوديته، قلائل جدًّا. من هنا، علينا كمواطنين أن نحرّر نظامنا من خلال الأمور الاتية:

1. الانخرط في العمل السياسي الحزبي المنظّم والممنهج لخدمة الوطن، وليس لمصلحة العقائد المستوردة، أو خدمة لبعض الأشخاص.

2. تأمين ثقافة سياسيّة أسسها تنبع من المواطنة والانتماء والولاء للبنان فقط.

3. إنتاج سلطة سياسيّة بعيدة من الفساد الذي بات بذاته ثقافة يتغنّى ويدافع عنها بعض المنتفعين الفاسدين الذين يسعون بوصولهم إلى إفساد ما تبقّى من هذا الوطن.

4. تحقيق الصيغة التي تكون على قدر طموح أجيال اليوم والغد، وليس على قدر تطلّعات أجيال الأمس التي تخدم مصالحهم الخاصّة؛ وذلك بهدف الحفاظ على جيل الشباب واستثماره فكريًّا في وطنه وليس في بلدان العالم والاغتراب.

لعلّ هذه البنود الأربعة التي وضعناها هي جزء يسير من عمليّة بناء الدّولة القادرة القويّة التي نطمح إليها ما حيينا. وتبقى المفارقة الكبرى في الروح الثورويّة التي لم تنقطع، بغض النظر عن الظروف الصعبة. هذه الروح التي يجب تغذيتها لتصبح هي في مواقع قيادة هذا الوطن. ومتى وُجِدَت في لبنان أحزاب سياسيّة تعمل انطلاقًا من هذا المشروع، فلا خوف على لبنان الغد. أمّا إذا بقينا من التّابعين والمستَتبَعين فلا أمل بعد اليوم. فهل من يجرؤ؟ أم أننا سنبقى نحيا في حلم الجمهورية القوية على أمل تحقيقها؟




حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم