الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"الأنتان" العجوز يتصابى متباهياً والعيون تغضّ النظر عن تجاعيده!

المصدر: "النهار"
طرابلس ـــ رولا حميد
"الأنتان" العجوز يتصابى متباهياً والعيون تغضّ النظر عن تجاعيده!
"الأنتان" العجوز يتصابى متباهياً والعيون تغضّ النظر عن تجاعيده!
A+ A-

عاصفة الحداثة التكنولوجية السريعة سرعة البرق، التي أخرجت لاقط التلفزيون (الأنتان) من الباب، فاسحة المجال لتقنيات أكثر تطوراً لتؤمن فعالية التلفزيون، أعادته من الشباك من باب حداثة آخر، وهو عاصفة الاستهلاك الجامحة التي لم تترك زاوية أو ثغرة في الحياة إلا وحولتها نحو الاستثمار المالي، ومنها لعبة #كرة_القدم. 

 
في الدورة العالمية الحالية الجارية لكرة القدم ـــ "فيفا" روسيا ـــ قُيِّضَ للبنان وزير يتمتع بشفافية إنسانية، يتحسس روح الشباب ورغباته، كما رغبات غالبية الجمهور المتعطش للترفيه والتسلية في أي مجال، فأمّن عبر التواصل مع الشركة المعنية بالمونديال، بثّ المباريات عبر محطة "تلفزيون لبنان" الأرضي الرسمية التي تحتاج إلى "أنتان" قديم يلتقط بثها. 

حوصرت لعبة كرة القدم العالمية ـــ المونديال ـــ وتأطرت في سياق استثماري حوّل مجراها من لعبة تنافسية نظيفة رياضية، إلى ما هو أقرب ما يكون إلى مسرحية في العديد من مشاهدها المفصلية، خصوصاً تلك الموصلة إلى البطولة النهائية. يعزز هذه النزعة وجود الشاشة الصغيرة التي تحولت مع المونديال بنوع خاص إلى شاشة عملاقة، منتشرة في كل مكان تحقيقاً للربح.

لم يكن ممكناً الاستثمار الواسع في اللعبة، يومَ لم يبلغ الاقتصاد العالمي حالة العولمة المهيمنة على العالم، بنزعاتها الاستهلاكية والربحية البحتة. وكانت اللعبة تُنقَل عبر الراديو ـــ الإذاعة البريطانية ـــ أواسط الستينيات من القرن الماضي، ويومَ كان التلفزيون متوافراً فقط في بيوتات ثرية قليلة، وبالأسود والأبيض. 

 
في تلك الآونة من النصف الثاني من القرن العشرين، تحولت فضاءات المدن، فوق أبنيتها المتلاصقة، إلى شبائك من الحدائد هي "الأنتانات". 

 
ثم دخل على خط التواصل، الصحن اللاقط (الديش) الأوسع قدرة على الحصول على المعلومات. وبين انتشار الصحن المتفاعل مع الأقمار الصناعية، وفي خدمة الفضائيات الواسعة الخيارات، كُبحَ جماح "الأنتان" المسكين، وتحول من عنتر زمانه، إلى مهمَل، منسيٍّ على الأسطح، تماماً مثلما تمكنت عواصف التقنيات الحديثة من تحويل كل اختراع جديد إلى موديل قديم غير صالح، فهكذا تحول الكومبيوتر ـــ "الدسكتوب" ـــ إلى دب ثقيل غير مرغوب فيه مع ظهور "اللابتوب" وهكذا بقية أشكال التقنيات. 

مبادرة شبابية محلية أعادت إلى "الأنتان" اعتباره عنوةً، وعاد المواطنون إلى سطوحهم يجمعون بقايا أصابع معدنية كانت تلتقط لهم الحلقات التلفزيونية الجميلة، ونشرات الأخبار الأقل شحناً من اليوم. 

 
عاد "الأنتان" العجوز إلى تصابيه. وقف أمام المرآة يتكحّل ويتبودر، وينزل إلى السوق متعالياً على من يريده، فإذا القلوب تخرُّ له خاشعة، وتتنافس على قلبه للحصول عبره على "المونديال" لقضاء تسلية مميزة لمدة شهر. 

خريستو السبعيني، محبٌّ لزمن البرازيل الناهض في الستينيات على سمعة "بيليه" اللاعب الأشهر عالمياً، عرفه بالأذن عبر الإذاعة البريطانية، ولم يشاهده قط. حمل مفكّ البراغي، والشاكوش، وصعد إلى سطح بنايته الذي لم يعرفه منذ سنين، وراح يستذكر "أنتانه" ويميزه عن "أنتان" الجيران، فلا يجد له سبيلاً. لكن .. ليس المهم أن يكون ذلك "أنتانه"، أم "أنتان" جاره، فبعض "الأنتانات" رحل أصحابها. اختار "أنتاناً"، افترضه "أنتانه"، وراح يقارع صدأه، وصدأ العمود الذي يرفعه، وظل حتى منتصف النهار يعالجه تفكيكاً. وعندما تمكن من ذلك، شعر بالنصر. "لم يكن كل ذلك العذاب معقولاً قبل البدء، لكنه بعد إنجاز المهمة، والحصول على الغاية ـــ الأنتان ـــ صار النصر كبيراً، ومفرحاً"، يقول السبعيني خريستو وهو حامل "الأنتان" بعد تفكيكه.

أما لماذا لم يعتمد شراء "أنتان" جديد من السوق، فيقول: "المتبقي من "الأنتانات" الجديدة نادر، وما إن بدأ "المونديال" حتى نفدت من السوق، ولم يعد أمام الإنسان إلا العودة إلى العتيق". 

يقول أحد تقنيي الكهرباء المعلم محمود، المحب للكرة: "المباريات في التصفية الأولى من "المونديال" فيها الكثير من الفرق الضعيفة، ومن لم يتأمن له "أنتان"، عليه الإسراع بالحصول على واحد، فالصراع يحتدم بدخول الدور النصفي".

وفي حال تمكن المعلم محمود من تأمين "أنتان"، فإنه يقبض ثمنه أضعافاً مضاعفة لثمنه الأول. يقول: "كان بالإمكان تأمين "أنتان" بما لا يزيد عن عشرين دولاراً في زمانه، وبنوعية جيدة، لكنه يصل اليوم إلى أربعين أو خمسين دولاراً وهو متهالك، ملتوٍ تكاد أجزاؤه تتفكك وتتفرفط واحداً تلو الآخر".

ويملأ الشغف السيدة آمال بـ"أنتانها"، فعندها جيل من الأبناء والأنسباء مهتمون بمتابعة اللعبة، وقد نسيت أن لديها ما يفيد على سطح منزلها. أرسلت من يتفقد السطح، فإذا بثلاثة "كنوز" ـــ كما شاءت وصفها ـــ منتشرة على السطح، قائلة: "فرحت جداً عندما علمت أنه لا يزال على سحطي ثلاثة "أنتانات". حاول الأولاد حضور المباريات عبر "الإنترنت" ومنه إلى التلفزيون، لكن البث متقطع ومزعج. الوضع صار أفضل الآن".

السيدة آمال تشكر تلفزيون لبنان الذي حل مشكلة أبنائها، وتنوّه بمبادرة الوزير الرياشي: "يا هيك الوزرا يا بلاهم. عقبال وزرا الكهربا والصحة والمي"، تنهي كلامها ضاحكة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم