الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

الجرح الألماني: لِمَ بالغنا في الاتّكاء على عكّازات متشظّية؟

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
الجرح الألماني: لِمَ بالغنا في الاتّكاء على عكّازات متشظّية؟
الجرح الألماني: لِمَ بالغنا في الاتّكاء على عكّازات متشظّية؟
A+ A-

نستفيق بعد ليلةٍ أضحكت جزءاً من العالم وأبكت الجزء الآخر. نشاء نسيان الأمس ونكران الجرح، كأنّه لم يكن ولم يتسبّب به أحد. حزينٌ الإحساس بانطفاء الحماسة وإسدال الستائر. نحبُّ حدّ الانكسار والطعن وخسارة كلّ شيء. كانت #ألمانيا فسحة للسعادة، أكذوبة جميلة، مزاجاً صيفيّاً، ثم تبخّرت. عكّاز هشّ لخُطى لا تصل. أفلتته اليد فتعثّرت الروح. تُهزم ألمانيا فنخسر اللحظة السعيدة ويحلّ روتين الأيام، كما هو، بفجاجته وملله والرغبات المقتولة. 

يُعلّم العُمر فهم الحياة، وأحياناً إساءة فهمها. أمس، حلّ الصمت أمام نوعٍ من الحزن مُغمّس في العادة باللوعة. كان علينا النسيان والنهوض من دون نكبات داخلية. وطي صفحة البارحة وليل الشماتة الطويل. كان كلّ شيء ليبدو عابراً، سهل الاستيعاب: المكتب المدجّج بالأعلام، السيارة السعيدة بألوانها الحماسية، الثقة بالنهائيات، ولعنات الأمل. كلّ شيء حتى داخلنا المُتعَب. وكنّا لنبدأ نهاراً جديداً، أقلّ تورّطاً بطعم الخسارة، نمارس الطقوس اليومية من دون مشاعر: قهوة الصباح، الاطمئنان إلى الزملاء، ساعات العمل، وعزلة الليل. رسمَ الألمان للخائبين مشهداً آخر. أعادوا البهجة إلى نقطة الصفر. أعادونا بشراً ضئيلي المساحة. حدودنا الأرض، لا الفضاءات المكثّفة بالأفراح المنقوصة. وهذه الأرض لا تنفكّ تضيق حاجبة دفء الشمس. تخسر ألمانيا ليعود الوضع إلى حاله، والصباحات إلى حالها، والليالي إلى ثقلها. خسارة لا تُقاس بخروج أو بقاء، بل بما تُصاب به النفس حين تصدّق الأمل.  

لِمَ يبالغ المرء في الاتّكاء على عكّازات متشظّية؟ لأنّه في أعماقه تبعثرٌ واهتزازٌ ووقوع. وإلا لكانت الهزائم عابرة. في كلّ مرّة نتمسّك بالحياة، تعضّنا لنُفلتها. المسألة في "المُلكية". ما هو لنا وما ليس لنا. ما نريده وما لا نحصل عليه. الفوز الألماني لم يكن في اليد. منذ المباراة الأولى، هو خارج القبضة. صدقُ الإنسان بما له وما عليه، والاعتراف بالهزيمة. اللعب الجيد ينتهي بنتيجة جيدة، وإن تواطأ القدر ضدّ الحظّ. لم يترك الألمان مجالاً لتبرير الخيبة وغفران الآلام. غادروا وتركونا في حزن، حقيقتنا الإنسانية. 

[email protected]

Twitter: @abdallah_fatima

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم