الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

متى ينتهي البؤس السوري؟

المصدر: "الايكونوميست"
ترجمة نسرين ناضر
A+ A-

على الرغم من كل الطبول الدبلوماسية التي تُقرَع، لا يتوهّم السوريون بأن بؤسهم سينتهي قريباً. فقد وُضِعت في أيلول الماضي خطة لعقد مؤتمر ثانٍ للسلام في جنيف بعدما وافق النظام السوري على تسليم أسلحته الكيميائية التي تسبّبت بمقتل أكثر من ألف مدني. لكن الآمال بإجراء مباحثات جدّية تغرق أكثر فأكثر في الرمال المتحرّكة. وفي 5 تشرين الثاني الجاري، أقرّ الأخضر الإبرهيمي، المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية في سوريا، بأن مؤتمر جنيف لن ينعقد هذا الشهر بحسب الوعود التي أُطلِقت سابقاً. يتهامس الدبلوماسيون متوقّعين مزيداً من التأجيل. ويتحدّثون بطريقة مبهمة عن موعد جديد للمؤتمر في كانون الأول أو حتى كانون الثاني المقبل. الواقع هو أن المتشدّدين، داخل نظام الأسد كما في صفوف الثوار المتنافرة، وكذلك في أوساط الرعاة الأجانب الذين يدعمون هذا الطرف أو ذاك، يزدادون تعنّتاً في مقابل الأصوات المعتدلة التي يُفترَض بالمحادثات تمكينها.


يتأرجح الائتلاف الوطني السوري، الذي يُعتبَر الهيئة المعارضة الأساسية في المنفى، في موقفه من المشاركة في المباحثات. يريد ضمانة بأن الأسد لن يشارك حتى في حكومة انتقالية. لكن النظام يرفض هذا الشرط. كما أن الأسد شعر أنه أكثر قوة منذ فشلت الولايات المتحدة في تنفيذ تهديدها بمعاقبة النظام بالهجمات الصاروخية رداً على الهجوم الذي شنّه بواسطة غاز السارين وتسبّب بإبادة جماعية في 21 آب الماضي. وقد ساهم الاتفاق الذي جرى التوصل إليه لتدمير الأسلحة الكيميائية السورية في تعزيز شرعية الأسد، وطمأنته إلى أن الغرب لا يسعى إلى طرده من السلطة.
في مختلف الأحوال، فإن حمل هذين الفريقين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لا يقود حكماً إلى النجاح. يرفض عدد متزايد من السوريين سلطة الائتلاف المعارض، فهم لا يرون فيه سوى مجرد زمرة من المنفيين المعتدّين بأنفسهم الذين فشلوا في تزويد المقاتلين على الأرض بالأسلحة أو المساعدات. في 4 تشرين الثاني الجاري، استقال أحد أبرز القياديين الموالين للغرب في صفوف الثوار، من منصبه في شمال سوريا تعبيراً عن غضبه من الانقسامات بين الفصائل وضعف الائتلاف الوطني. وفي 15 تشرين الأول الماضي، أعلنت 50 مجموعة يميل معظمها إلى الإسلاميين، أنها لم تعد تعترف بسلطة الائتلاف. وقال زهران علوش، قائد "جيش الإسلام" الذي يضم تحت رايته عدداً من مجموعات الثوار حول دمشق، إن الائتلاف سيصبح عدواً – "مثل نظام بشار الأسد" – إذا شارك في المحادثات في جنيف؛ وبعد 11 يوماً، أعلنت 19 مجموعة أخرى إن المفاوضات مع النظام هي "خيانة".
والعائق الكبير الآخر هو الخلاف حول دعوة إيران إلى المؤتمر، مع العلم بأنها تدعم النظام وقد ساعدته على بناء قوة شبه عسكرية لمساندة الجيش. في حين تميل الولايات المتحدة التي تدعم المعارضة وروسيا المساندة للنظام، نحو التقارب من أجل التوصّل إلى تسوية لإنهاء الحرب، يختلف الوضع بالنسبة إلى السعودية وإيران. فالسعوديون يرون محور شر شيعياً يمتدّ من طهران عبر بغداد ودمشق وصولاً إلى "حزب الله" في لبنان، ويعتبرونه التهديد الأكبر لهم. أما إيران فقد استثمرت المليارات لدعم نظام الأسد والحفاظ على رابط حيوي مع "حزب الله". وهي أكثر استعداداً لتحمّل النزاع بالمقارنة مع الغرب الذي يتوجّس من زيادة النزعة الجهادية في صفوف الثوار وتفاقم الأزمة الإنسانية.
وقد اشتدّ التوتر بين الولايات المتحدة والسعوديين بسبب الملف السوري، ما تسبب بمزيد من الانقسام في صفوف المعارضة السورية. فقد غضبت السعودية من تراجع الولايات المتحدة عن قصف النظام السوري، ودعمت تشكيل جيش وطني جديد في جنوب سوريا، وتتحدث التقارير عن تدريب 5000 متمرد في الأردن، بمساعدة من القوات الفرنسية والباكستانية.
مع تزايد عدد الأفرقاء الضالعين في الحرب السورية، تتضاءل آفاق التوصّل إلى تسوية في القريب العاجل. قبل عام، بدا أن النزاع يدور بين الثوار من جهة والنظام المحاصر من جهة ثانية. أما الآن فغالباً ما يخشى الثوار بعضهم بعضاً بقدر ما يخشون قوات الأسد. وقد عمد المقاتلون الأكراد، في تحالف تكتيكي مع النظام فرضه الأمر الواقع، إلى تطهير أجزاء من الشمال الشرقي من المجموعات الإسلامية المعادية. وعزّزت الفصائل السلفية والجهادية حضورها ليس فقط في شمال البلاد على مقربة من تركيا إنما أيضاً حول دمشق. وبات النظام يعتمد أكثر على الفصائل التي يملك سيطرة محدودة عليها، لا سيما الميليشيات المحلية والمقاتلين الشيعة القادمين من إيران ولبنان والعراق.
في غضون ذلك، يتفاقم البؤس، مع انتشار شلل الأطفال وسوء التغذية الحاد. وتحذّر البلدان المجاورة من أنها لم تعد قادرة على تحمّل تدفق اللاجئين الذي تشير بعض التقديرات إلى أنه الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية. فاللاجئون السوريون في لبنان يشكّلون الآن نحو ربع السكان.
فيما ينهمك الدبلوماسين بالمباحثات، تستمر الحرب على الأرض. إذا لم يظهر مزيد من الأفرقاء في الداخل والخارج استعداداً للتفاوض والتوصل إلى تسوية، فسوف يتواصل المأزق القاتل.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم