السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

واشنطن تنسحب من مجلس حقوق الإنسان... درب "الهزيمة الذاتيّة"؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
واشنطن تنسحب من مجلس حقوق الإنسان... درب "الهزيمة الذاتيّة"؟
واشنطن تنسحب من مجلس حقوق الإنسان... درب "الهزيمة الذاتيّة"؟
A+ A-

إنّ عدد الاتّفاقات التي خرجت منها واشنطن في عهد إدارة الرئيس الأميركيّ الحاليّ دونالد #ترامب يجعل من خطوة الثلاثاء أمراً شبه منتظر. ففيما أبدى الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريس أسفه على هذه الخطوة، وصف المفوّض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتّحدة الأمير زيد بن رعد الحسين القرار ب "المخيّب للآمال لكنّه ليس مفاجئاً حقّاً".


الإشكاليّة التي رافقت تأسيسه

أنشئ هذا المجلس في 15 آذار 2006 كي يحلّ مكان لجنة الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان التي كانت عرضة أيضاً لانتقادات كثيرة من بينها ما صدر عن الأمين العام الأسبق للأمم المتّحدة كوفي أنان. حينها، وصف الأخير قرار إنشاء المجلس ب "التاريخيّ" موضحاً أنّه يعطي الأمم المتّحدة فرصة تحتاج إليها كثيراً من أجل إطلاق بداية جديدة في العمل للدفاع عن حقوق الإنسان. وكان واضحاً في ذلك الوقت أنّ إنشاء المجلس لم يقابل بأيّ ترحيب إسرائيليّ أو أميركيّ. فعلى الرغم من أنّه نال موافقة غالبيّة ساحقة في الجمعيّة العامّة (170 صوتاً)، كانت واشنطن وتل أبيب من أبرز المصوّتين ضدّ هذه الخطوة، إضافة إلى دولتين صغيرتين مثل جزر مارشال وبالاو اللتين تنحازان لصالح الإسرائيليّين في القرارات المهمّة وكان آخرها التحاقهما بالولايات المتّحدة في نقل سفارتيهما إلى القدس. ويقدّم المجلس الذي يتّخذ من سويسرا مقرّاً له توصيات غير ملزمة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم.


"الهوس الدائم بإسرائيل"

من المفارقات التي فرضت نفسها أكانت في الماضي أو الحاضر، دور أبرز الشخصيّات الأميركيّة المناهضة لفكرة هذه المنظّمة: جون بولتون. سنة 2006، كان الأخير سفير بلاده إلى الأمم المتّحدة وشرح سبب رفض تشكيل ذلك المجلس بكون بلاده لم تملك "ثقة كافية" بأنّه سيكون أفضل من اللجنة التي سيحلّ مكانها. بولتون الذي أصبح اليوم في موقع مستشار الرئيس الأميركيّ لشؤون الأمن القوميّ، لا يزال يحتفظ بالنظرة نفسها إلى الأمم المتّحدة بكونها مقيّداً لحريّة الحركة الأميركيّة حول العالم.



ومع ذلك، لم تكن واشنطن وحيدة آنذاك بانتقاد تركيز المجلس على سياسات إسرائيل، بل انضمّ إليها الأمين العام السابق للأمم المتّحدة بان كي مون كما فعل بيان صادر سنة 2007 علماً أنّه لم يذكر إسرائيل بالاسم: "يشعر الأمين العام بخيبة أمل من قرار المجلس القاضي بإدراج بند إقليميّ واحد محدّد فقط (سلوك الاحتلال في الأراضي الفلسطينيّة) بالنظر إلى مدى ونطاق الادّعاءات المتعلّقة بانتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم". في ذلك الوقت أيضاً، استغرب نائب الممثّل الدائم لواشنطن في الأمم المتّحدة أليخاندور وولف ما سمّاه "الهوس الدائم بإسرائيل".


الوضع يتغير

اللافت أيضاً أنّ رئيس المجلس آنذاك دورو كوستيا وافق الرئيس الأسبق جورج بوش الابن على انتقاداته للهيئة التي قال إنّها لا تذكر دولاً مثل كوبا وفنزويلا وكوريا الشماليّة وإيران: "أوافقه على ذلك. يجب تطوير عمل المجلس باستمرار" كما قال كوستيا لصحيفة "لو تان" السويسرية سنة 2007 مطالباً بالتدقيق في جميع الأطراف المنخرطة في نزاعات معقّدة لا وضع دولة واحدة تحت العدسة المكبّرة كما قال.

في الفترة نفسها أيضاً، تضامن الاتّحاد الأوروبّي وكندا مع واشنطن في إدانة تركيز المجلس على الاستمرار في إجراء تحقيقات داخل الأراضي المحتلّة. لكن اليوم، يبدو الوضع مغايراً مع الخلافات الكثيرة التي تفرّق بين الغربيّين أنفسهم. والشرخ الذي أوجدته الولايات المتّحدة لا يقتصر على العلاقات بين الدول الغربيّة نفسها بل يمتدّ ليطال نظرة المنظّمات غير الحكوميّة لواشنطن نفسها. فقد كان بارزاً ما قاله مثلاً الأمين العام لمنظمة العفو الدوليّة سليل شيتي حين دعا الولايات المتّحدة إلى التراجع "بشكل طارئ" عن قرارها الذي وضعها "في الجانب الخاطئ من التاريخ".


مغالطة في التبريرات ... ما هو الواقع؟

كانت هالي قد انتقدت عدداً من الدول التي منعت بلادها السنة الماضية من تحقيق إصلاحات داخل المجلس من بينها الصين. لكن حتى في هذه الحالة، أخطأت الولايات المتّحدة بالانسحاب من المجلس، لأنّ ذلك شكّل "هديّة" للرئيس الصينيّ شي جينبينغ، بحسب الباحثة في "شبكة المدافعين عن حقوق الإنسان في الصين" ومقرّها هونغ كونغ فرانس إيف. وكتبت في صحيفة "ذا غارديان" البريطانيّة أنّ "مغادرة مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتّحدة لن تجعله يختفي. هي تفتح فرصة للقيادة ستكون #الصين مسرورة بملئها. تراجعت إدارة ترامب لتفسح المجال أمام الصين كي تسيطر على المجلس من دون تحدّ وكي تعزّز أجندتها لإعادة تحديد حقوق الإنسان وفق ‘النموذج الصينيّ‘".

ربّما باتت مشكلة الولايات المتّحدة في الإدارة الحاليّة أبعد من مجرّد تسجيل مواقف اعتراضيّة ضدّ سياسات لا تعجبها في الأمم المتّحدة. بات الأمر أقرب إلى ما يذكره الباحث البارز في "معهد بروكينغز" تيد بيكون من تفادي واشنطن في القيام بالعمل الصعب المطلوب منها كي تكون رائدة في حقوق الإنسان. ويضيف: "عوضاً عن ذلك، هي تفضّل الانسحاب من القيادة العالميّة حول هذه ومسائل أساسيّة أخرى من أجل إعادة إحياء تعريف ضيّق للسيادة الوطنيّة (يؤدّي) في نهاية المطاف إلى الهزيمة الذاتيّة".






الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم