الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

القمر كرة قدم والنجوم جماهير

المصدر: "النهار"
شربل أبي منصور
القمر كرة قدم والنجوم جماهير
القمر كرة قدم والنجوم جماهير
A+ A-

يذكر إدواردو غاليانو في كتابه "كرة القدم بين الشمس والظل" أن صحافياً طرح سؤالاً على المنجمة الألمانية دوروثي سولل: كيف توضحين لطفل ما السعادة؟ فأجابته: لا أوضح له. بل أعطيه كرة ليلعب. هذه السعادة هي في إطلاق العنان للجسد للانطلاق مع الكرة بحرية الفطرة الأولى مُسلِساً القيادة للمخيِّلة، حتى يشعر في لحظة بانعدام الجاذبية والانخطاف!  

الكرة، إذاً، لم تكن فقط متنفساً ومتعةً خالصة لا تضاهيها أي متعة، بل شكّلت لفقراء الأحياء الشعبية الأمل الذي سينتشلهم من بؤسهم وواقعهم المرير والوعد بالمجد المنتظر. هذه الكرة هي البريق الذي يلتمع في عيون صبية يفترشون الرمال يتخيلون القمر كرةً والنجوم جماهير تُهلل كل ما سجّل أحدهم هدفاً في مرمى الكون، لينتصب متأججاً كالشهب رافعاً علامة النصر.

السؤال: ما سرّ هذه المستديرة الساحرة، وكُنْه جماهيرية هذه اللعبة الأكثر شعبية؟

يمكننا القول إن كرة القدم أمست نوعاً من الديانة التي قد تكون الأكثر جمعاً، وتسامحاً وإنسانية. لا تفرّق ولا تميز، لا أهداف لها أو غايات مبيّتة، والكل متساوون في مستطيلها الأخضر. مُريدوها يتوافدون من كل حدب وصوب، من الإثنيات والأعراق والجنسيات والطبقات والأعمار كافة، ليشاهدوا معبودتهم الكرة تتناقلها أقدام أبطالهم الذين فيهم من هم في مصاف الآلهة! ولهذه الديانة طقوسها وشعائرها من أزياء وهتافات وابتهالات ورقصات وأساليب احتفاء بالربح. هذه القدسية، إذاً، حدَت باللاعب الأرجنتيني الشهير مارادونا على التصريح بأن يده التي سجل بها هدف الفوز في شباك المنتخب الإنكليزي هي "يد الله"!

ولا نغفل عما تمنحه هذه اللعبة من أحاسيس تفيض في حضور أحد النهائيات في ملعب يحتضن نحو سبعين ألف متفرج تستشعر فيها دقات قلوبهم كأنها طبول حرب تُقرع، وأمامك في الميدان اثنان وعشرون مُجالداً كأنهم في النزال الأخير يتبارزون ويحتكون ويتصادمون، ولا يبخلون بنقطة عرق أو دم في سبيل الفوز المظفَّر. أما ذروة هذا الشعور الذي يوازي النشوة الجنسية أو الانتشاء عموماً، فهي لحظة تسجيل الهدف أو "الغووول" بحيث يتدفق الأدرينالين وتصدح الحناجر وتعلو الأقدام وتخضرّ الأماني فيتماهى المشجع مع مسجِّل الهدف حدّ أن يصيرا واحداً.  

على الرغم من تحوّل كرة القدم إلى صناعة مستقلة بذاتها، ورغم التطور التقني الهائل، لم يخفت بريق هذه اللعبة لا بل شعبيتها في ازدياد مطّرد. وكأن تحول هذا العالم إلى المادية والمكننة وانتفاء التواصل الإنساني والكبت المجتمعي زادت من تعطش الأفراد إلى البحث عن متنفس وجدوه في كرة القدم حيث التفاعل والانفعال وانفلات الغريزة من عقالها وتقمّص حياة قد تكون مرتجاة.  

في العمق يبدو أن ثمة طاقة خفية كامنة تزنّر جوهر هذه اللعبة وتحافظ على نقاوتها البكر ومساحاتها العذراء حيث اللهفة والدهشة الأولى والرعشة والحرية. السحري في هذه اللعبة قدرتها على ابتكار الفرح وترميم الانكسارات والتجدد والارتجال الدائمين، فمع كل صافرةٍ ننطلق في رحلة من الأضواء والإثارة والتشويق أهميتها في عيشها لا في نتيجتها...

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم