الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

تدهور الليرة التركية: أسباب اقتصادية أم مكيدة سياسية؟

د. أيمن عمر- باحث في الشؤون السياسية والاقتصادية
تدهور الليرة التركية: أسباب اقتصادية أم مكيدة سياسية؟
تدهور الليرة التركية: أسباب اقتصادية أم مكيدة سياسية؟
A+ A-

يُعرف اقتصاد تركيا كسوق ناشئة من قبل صندوق النقد الدولي ومتطورة بشكل كبير، ما يجعل تركيا واحدة من الدول الصناعية الجديدة. ويقدّر حجم الاقتصاد التركي بحوالي تريليون دولار، ويأتي في الترتيب السابع عشر بين الاقتصادات الكبرى التي تشكل مجموعة العشرين. وقد أظهرت بيانات هيئة الإحصاء التركية نمو اقتصاد تركيا 7.4% العام الماضي، وبذلك يكون الاقتصاد التركي هو الأسرع نمواً بين دول مجموعة العشرين، متجاوزاً اقتصادي الصين والهند اللتين احتلتا المركزين الأول والثاني العام المنصرم. وحقق الاقتصاد التركي نمواً بثلاثة أضعاف متوسط نمو الاتحاد الأوروبي، كما تخطى أكثر الاقتصادات سرعة في النمو مثل الصين والهند. ويتوقع البنك الدولي أن يتراوح معدل نمو الاقتصاد التركي بين عامي 2018 و2019، بين 4% و5%، بعدما أظهر الاقتصاد أداءً متميّزاً عام 2017، واستطاع تحقيق نمو وصل إلى 7.4%. بلغ حجم الاستثمارات العامة 128 مليار ليرة تركية (33.5 مليار دولار)، والاستثمارات الخاصة أكثر من 900 مليار ليرة (235 مليار دولار). ووفقا لأرقام هيئة الإحصاء التركية، بلغ معدل الدخل السنوي للفرد في تركيا العام المنصرم نحو 38.7 ألف ليرة تركية (9.7 آلاف دولار) مقابل32.7 ألف ليرة (8.2 آلاف دولار) عام 2016. واستقبلت تركيا خلال العام الماضي 32.4 مليون سائح، وبلغت عائداتها من السياحة نحو 26 مليار دولار، وفق بيانات رسمية. كما أعلنت مؤسسة الإحصاء التركية، أن عائدات السياحة للربع الأول من العام الحالي، بلغت 4 مليارات و425 مليون دولار. وكشف معهد الإحصاء أن مؤشر أسعار المستهلكين ارتفع 0.99% في آذار على أساس شهري، في حين تراجع قليلاً على أساس سنوي، ليتجه صوب 10%. لكن مؤشر التضخم الرئيسي ارتفع 11.4% على أساس سنوي. ووفقاً لمعهد الإحصاء التركي، تراجعت نسبة البطالة في كانون الثاني 2.2 نقطتين إلى 10.8%، حيث انحسرت البطالة في أوساط البالغين إلى 576 ألف شخص في كانون الثاني مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. وقد ذكرت الشركة البريطانية المتخصصة في الأبحاث الاقتصادية والخدمات المهنية "برايس ووتر هاوس كوبرز ( PWC)" في تقريرها السنوي الصادر أخيراً، أن الاقتصاد التركي سيشهد نمواً ملحوظاً خلال السنوات المقبلة، وسيتمكن من احتلال المرتبة 12 عالمياً بحلول عام 2030. 


أسباب تدهور الليرة التركية

استمرت الليرة التركية بالهبوط أمام العملات الأجنبية لتصل إلى مستوى قياسي جديد، إذ وصل سعر صرفها إلى 4.9. وفقدت الليرة التركية حوالي 20 % من قيمتها منذ بداية العام الحالي. هذه التقلبات في سعر الليرة لا تعكس على الإطلاق حالة الاقتصاد التركي. بل هي ضحية للأزمة السياسية بين تركيا من جهة والولايات المتحدة والسعودية والإمارات العربية من جهة أخرى، نتيجة التقارب التركي الروسي الإيراني. وهذا ما أكده الخبير الاقتصادي والاستثماري الأميركي "جيمس ريكارد" في مقال نشره في مجلة "استراتيجيك انتيليجنس" حين وصف أزمة الليرة التركية بأنها "أزمة سياسية" تغذيها الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، أكثر منها "أزمة نقدية أو مالية". ويظهر ذلك جلياً عبر شراء "بنك الإمارات دبي الوطني"، كامل حصة "سيبر بنك" الروسي، في "دينير بنك" التركي، والبالغة 99.85 بالمائة، مقابل 14.6 مليار ليرة (3.2 مليارات دولار). وقد لعبت وكالات التصنيف الائتماني دوراً في هذا التدهور. حيث خفضت وكالة "موديز" في 8 آذار الماضي التصنيف السيادي لتركيا من (Ba1) إلى (Ba2)، وغيرت نظرتها من "سلبي" إلى "مستقر".وفي 2 أيار أعلنت وكالة "موديز"، أنها ستراجع التصنيف الائتماني لتركيا، لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيتم خفض التصنيف الائتماني. الأمرالذي نشر صورة سلبية عن السوق النقدي التركي وأحدث ضغوطاً على الليرة التركية. فقد سحب المستثمرون الأجانب 1.15 مليار دولار من السندات الحكومية والأسهم التركية في الأسابيع الثلاثة الأولى من أيار، مع تضرر الأسواق من الشكوك بشأن السياسة النقدية للبلاد، بحسب ما أظهرت بيانات معهد التمويل الدولي. وقال المعهد إن التدفقات إلى الخارج من السندات التركية المقوّمة بالعملة المحلية وصلت إلى مليار دولار في الفترة من أول أيار إلى الخامس والعشرين من الشهر نفسه. وفي الأسبوع المنتهي من أيار، باع غير المقيمين أسهماً تركية بما يصل إلى تسعة ملايين دولار، بينما شهدت أسواق الدين تدفقات إلى الخارج بنحو 153 مليون دولار. وتنطبق بيانات معهد التمويل الدولي على أدوات الدين الحكومي بالعملة المحلية.

وما ساعد على خلق بيئة اقتصادية داخلية، وجعل الليرة عرضة للاهتزاز، هو الخلاف الجوهري في السياسة النقدية بين أردوغان والمصرف المركزي. فأردوغان متمسك بموقفه مطالباً بضرورة خفض الفائدة لدعم الاستثمار، بينما يريد المصرف المركزي السيطرة على معدلات التضخم من خلال رفع الفائدة. ففي نيسان الماضي طالب أردوغان بخفض سعر الفائدة من أجل إنقاذ المسثمرين، على حد تعبيره، الأمرالذي دفع بالليرة إلى هبوط حاد في اليوم التالي. وكذلك القرارات التي اتخذتها الإدارة الأميركية، في رفع نسب الفائدة والارتفاع الحاصل في أسعار النفط، أدت إلى تراجع عملات كافة الدول ومنها التركية.


اليد اليهودية

وجّه الأكاديمي والمحلل الإسرائيلي "إيدي كوهين"، تهديدات للاقتصاد التركي، مشيراً إلى تأثير اللوبي اليهودي، وذلك في معرض تقييمه لتذبذب سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار. وفي تغريدة باللغة العربية على حسابه على موقع تويتر استخدم كوهين عضو هيئة التدريس في جامعة بار إيلان، والمحلل في مركز بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية، هاشتاغ #ادعموا_الليره_التركية، واستهدف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائلاً "خسران يا أردوغان!". وقال كوهين إنه بعد تعرض السفير الإسرائيلي في تركيا أيتان نائيه، للإهانة في المطار بتركيا خلال عودته إلى إسرائيل "هوت الليرة التركية إلى أدنى مستوى لها في تاريخ كل تركيا". وقال كوهين، الذي يعمل أيضاً مستشاراً للحكومة الإسرائيلية، في تدوينته مخاطباً أردوغان "ألا تعلم أن نصف ثروة العالم لعائلة يهودية واحدة فقط وهي الداعم الأول لإسرائيل فكيف بأثرياء اليهود الكثر الآخرين".

كوهين الذي وجه التهديد للاقتصاد التركي باللوبي اليهودي، قال في ختام تغريدته مشيراً إلى سعر صرف الليرة التركية "القادم أدهى".



تمتلك تركيا احتياطياً ضخماً من النقد الأجنبي يتجاوز 150 مليار دولار وهو احتياطي كاف للدفاع عن الليرة واحباط أي مضاربات تستهدفها. فهل ينجح أردوغان في مواجهة هذا المخطط لإضعافه؟؟. أم يكون العامل النقدي هو السبب في خسارته الانتخابات المزمع إجراؤها في 24 من الشهر الجاري؟؟



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم