"لا. لستُ مدوِّنة" كتاب عالي الشأن بالكلمة واللون لزينة نادر

"لا. لستُ مدوِّنة"، كتاب (منشورات أسوَد أبيض) بالفرنسية المتقنة، للرسامة زينة نادر، مضمخاً بالحبر والريشة والعين السينمائية المسرحية معاً، بالتساوي والتكافل، يقرأه القارئ/ القارئة، بنهم، بلذة، ببساطة، بعمق، بسلاسة، بوجع، بحبّ، وبثقافة متينة، مبحراً في نحو من ثلاثمئة صفحة، حيث لا يساوره فيها الملل، ولا الضجر، ولا التأفف. فالنصوص لحظات، محطات، تأملات، ومواقف، هي خلاصة اليوميات - الكتابات المتتالية، التي لا تكفّ عن أن تغمر المتلقي بالمشاعر المتدفقة، الغنية بالقمح والعشب الأخضر والأزهار والعطور والرياحين والموسيقى والألوان والمسرح. 

ليس الرسم وحده هو الموضوع، ولا الكلمة. بل ثمة كل شيء هنا، يختص بالحياة، بمسرح الحياة، بالحياة كلها، بالروح، بالقلب، بالوجدان، بالشعور، بالعاطفة، بالتيه، بالشرود، بالنزهة، بالدموع المستورة، غير المرئية، بالغضب، بالقرف، بالاشمئزاز، بالثورة، بلبنان الألم والأمل، بالناس، بالخيبات، بالمرارات، بالأحلام المجهضة، وبالوحشية التي تفترس العالم.

اللغة نظيفة، طيبة، قريبة، بعيدة، حقيقية، وغير مصطنعة. بساطتها عميقة، من النوع الذي ينأى بها، ويبعدها عن "السائد" في لغة المدوّنات التي تغزو مواقع التواصل الاجتماعي.

في هذا المعنى، هي تتمايز، أي اللغة، إذ تخلق لنفسها مساحة، فضاء، بحيث تجد نفسها في "منأى" من مفهوم المدوّنة، وإن لم تبتعد عنها شكلاً. إنها تأملات، في لغة ملأى وغامرة. فهي لا ترصف الكلام رصفاً، ولا تنفعل به انفعالاً طفيفاً وسطحياً، بل تعيه تماماً، وتستدعيه بعقلها ووعيها ووجدانها وثقافتها، وتنزفه في الآن نفسه، بطيبة خاطر، بجمال، وبطواعية.

هذا التلاقي بين العفوي والمشغول، لا يعتريه اجتهاد مفبرك. وهنا سرّ هذه الصفحات. ليس ذلك إلاّ صورة عما يشغل الرسامة – الكاتبة - المسرحية من قضايا وهموم ومشاغل وهواجس وتطلعات وأحوال، تمثّل مخاضات حياتها اليومية والثقافية، وما هو أبعد من اليومي والثقافي بامتياز.

هذا كلّه، عبر الكتابة، عبر هذا النوع من الكتابة – التشكيل - المسرح، الذي لا بدّ أن يجد مكانته المستحقة في المكتبة الأدبية – الفنية.