السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

الضحية اللبنانية تلوذ بجلاّدها

ريما لبّان
الضحية اللبنانية تلوذ بجلاّدها
الضحية اللبنانية تلوذ بجلاّدها
A+ A-

كحبّات الذّرة المتشظية فشاراً في الصناديق الزجاجية، تتفتّق الآفات وتتفشّى في مجتمعنا. تتوالد الواحدة من الأخرى، تتكاثر كخلايا خبيثة، في وتيرة تصاعدية محمومة وضجيج مرعب ومشهد مروّع.

رهاب شاع بين الجموع كأنه شيطان يوسوس لهم: تراودهم أفكار، وتساورهم شكوك، وتخامرهم أوهام، وتعتريهم مخاوف، وتداخلهم هواجس، وينتابهم حزن ثم يأس ثم فرحة ثم أمل... فخيبة.

ماذا حلّ بهؤلاء؟

هؤلاء فقدوا نفاذ البصيرة والبوصلة والربّان.

هؤلاء ما عادوا أسياد أنفسهم. ألعوبة في أيدي المنحرف النّرجسي غدوا.

شعب بأكمله، وطن بمساحته، أوكل أمره ومساره ومصيره إلى جلاّده المنحرف النرجسي، الذي لا ينفك يزوّر له تاريخه، ويزعزع ثقته بنفسه، ويزيغ بصره، ويرهقه، ويستنزفه، ويتعمّد إهانته، ويمنّيه بالخير، ثم يخذله دافعاً به إلى الجنون.

إفلاس هذا الوطن، غثيانه، هذيانه، من مفاعيل ساديّة الأوصياء.

لن يرحم الجلاد الضحيّة. لن يفكّ أسرها، لأنه من آلامها يتغذّى، وبها يكون.

والضحيّة شريكة في اللعبة، لأنها سلّمت زمامها وسيادتها واستقلاليتها إلى آخر.

هذه الضحيّة يسكنها خوف من الحرية، ومن ذاتها، وممّا يمكنها أن تحقق لو أوتي لها أن تكون حرّة. فتراها، هرباً من المسؤولية، تلوذ بطاغوت الجلاد، يطمئنها، يملي عليها إرادته، فلا تفكر، ولا تقلق، ولا تتوجّس، ولا تتمرّد. هي أيضاً به تكون. كأنه رجع الصدى. انعكاسات مرايا. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟

هذه الرقصة الشيطانية الإيقاع، لا يثنيها عن دورتها إلا أمران: موت الضحيّة أو قرارها استعادة سيادتها وقهر لوياثان.

 هكذا تبنى الأوطان. هكذا خلق الإنسان. فبأي آلاء ربكما تكذّبان؟
.

(أستاذة جامعية – باريس) 



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم